مقدمة

تخاريف دماغ مش متربية ...

Friday, April 29, 2011

الاسلام والديموقراطية


نتيجة فوضى المصطلحات الرهيبة التي نعيشها في الوقت الحالي قررت أن اكتب هذه السلسلة من المقالات المبسطة التي توضح وتشرح هذه المصطلحات المفهومة خطئا وتبيان علاقتها بالاسلام  بشكل واضح ومبسط  آملا في تحقيق أرضية مشتركة من المسلمات نستطيع الانطلاق منها في النقاش حول المواضع الخلافية فعلا!.,وسأبدأ بالديموقراطية،هذا المصطلح الذي أساء فهمه الكثيرون ممن لم يقرأوا عنها خاصة -للأسف-من رجال الدين والعلماء الأجلاء..


سأبدأ حديثي بقاعدة فقهية شهيرة وهي : "الحكم على الشئ فرع من تصوره" أي انه يجب أن تعرف الشئ معرفة جيدة وتفهمه فهما جيدا حتى تستطيع الحكم عليه،فمن حكم على شئ يجهله فقد أخطأ وان صادف الصواب اعتباطا! لهذا فنحن ننكر على الكثير من علمائنا الاجلاء والدعاة من حكمهم على الديموقراطية حكما جاهلا بدون معرفة يضللون به كثيرا من الخلق وهم لا يدرون ويخطئون العوام بدون علم ولا معرفة فمن تحدث في غير فنه أتى بالعجائب ! وبمناسبة السياق أورد هنا كلمة غريبة للغاية من الشيخ وجدي غنيم في ذم الديموقراطية بدون علم ولا معرفة وستعرفون بنهاية المقال أهمية القاعدة الفقهية التي اوردتها في البداية والتي اخطأ الشيخ وغيره في الحكم على الشئ لأنهم يجهلونه!



وده كمان بس وطوا عشان الراجل بيزعق جامد :



فما هي تلك الديموقراطية وما هو جوهرها ؟


الديموقراطية بدون تعقيدات كثيره هي "حكم الأكثرية" أو بدقة أكبر "حكم الشعب لنفسه" ، أي ان يختار الناس حكامهم بدون ان يفرض عليهم من يكرهون ولا يرضون وأن يكون لهم حق محاسبة هذا الحاكم اذا اخطأ وعزله اذا انحرف  وألا يساق الناس لنظام سياسي واقتصادي ومنهاج فكري يرفضونه لمجرد اختيار الحاكم لهذا الاتجاه..


فهذا هو جوهر الديموقراطية التي تكافح من أجلها جماهير غفيرة في الشرق والغرب، والتي وصلت إليها بعض الشعوب بعد صراع مرير مع الطغاة، أريقت فيه دماء وسقط فيه ضحايا بالملايين، والتي يرى فيها الكثيرين الوسيلة المقبولة لكبح جماح الحكم الفردي والتسلط السياسي، الذي ابتلي به العالم العربي والاسلامي.



هذه الديموقراطية وجد لها البشر صيغا عدة واساليب ووسائل عملية لتحقيقها مثل المجالس النيابية والاتنخابات الحرة والاستفتاءات الشعبية المعبرة عن الارادة الشعبية الحرة والتعدد الحزبي واستقلال القضاء وغيرها من اساليب ومقتضيات الحكم الديموقراطي الرشيد.


فهل هذه الديموقراطية بهذا الجوهر تتنافى مع الاسلام؟! وأي دليل من محكمات الكتاب والسنة يدل على هذا الدعوى ؟



وقبل أن ارد على هذه الدعاوي يجب أن اشير لمعنى هام ملتبس على الكثيرين وهو أن الديموقراطية ليست غاية في حد ذاتها، ليست ايدولوجية ولا منهاج فكري، الديمقراطية ما هي الا منظومة من الوسائل والأدوات لتحقيق غايات كبرى ،هذه الغايات سبق وأن اقرها الاسلام قبل الغرب بألف عام..


فقد أقر الاسلام ان الحاكم أجير لدى الأمة وأن الشورى ملزمة وألمساواة امام القضاء وأن الاستبداد والفساد يجب أن يقاوما وان القضاء مستقل، ولكنه ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين وفق أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور الحياة، فالديموقراطية هي وسيلة تحقيق الغايات وليست الغاية نفسها! أجد نفسي مجبرا على التأكيد مرة أخرى ان الاسلام وضع لنا الغايات وترك لنا الاجتهاد في الاساليب المؤدية اليها وقد اجتهد علماء المسلمين في عصور ئتى لتحقيق هذه الغايات..


لماذا الديموقراطية اذا؟

الديموقراطية هي ثمرة تراث انساني فكري اهتدى اليه البشر من خلال كفاح طويل ومرير مع الظلمة والمستبدين من الحكم الكنسي والقياصرة الامراء،فقد اهتدت الديموقراطية خلال هذا الكفاح الى صيغ ووسائل تعتبر امثل الضمانات لحماية حرية الشعوب من الطغاة والمتجبرين وان لم يخل تطبيقها احيانا من بعد المآخذ والنواقص كأي انتاج بشري ولكن لا يجب أن نرفض هذا لمجرد انه قادم من اطار غير اسلامي بل يجب أن نتعلم منه ونتفاعل معه بما يتناسب مع تراثنا ونموذجنا المعرفي وقواعد شريعتنا الاسلامية ولا حجر على البشرية وعلى مفكريها أن تفكر وتصيغ اساليب اخرى لتحقيق تلك الغايات لعلها تهتدي لما هو امثل،ولكن الى ان يتبين ذلك فيجب ان نقتبس من الديموقراطية مالابد منه لتحقي العدل والشورى والوقوف امام الاستبداد السياسي، فالديموقراطية مثلها مثل الشوكة والسكينة، ادوات العصر الحديث للأكل، فالشوكة في ذاتها ليست كافرة لانها قادمة من الغرب! ولكن كيفية استخدامها هو ما يحدد ذلك! كذلك الديموقراطية..


فلا يوجد شرعا ما يمنع اقتباس نظرية او حل عملي من غير المسلمين مادام لا يعارض نصا محكما ولا قاعدة شرعية ثابتة! فقد أخذ النبي (ص) بفكرة الخندق في غزوة الأحزاب من الفرس واستفاد من أسرى بدر المشركين في تعليم المسلمين القراءه والكتابة !فالحديث عن المقارنة بين الديمقراطية والشورى في غير موضعه أصلا! فالشورى مبدأ والديمقراطية وسيلة لتحقيق المبدأ!..


ويجب أن نبين شيئا واضحا قبل ان أكمل فنحن هنا لا نتحدث عن الديمقراطية المطلقة التي رفضتها حتى امريكا اي ان حكم الاكثرية ماض دون حدود او شروط، فالديمقراطية المطلقة وسيلة لاستبداد الاكثرية ضد الاقلية كما ان الديمقراطية الغربية قيودها مثلا حقوق الانسان وبعض المبادئ الفكرية القيمية المتأصلة في العالم الغربي ولكن في تطبيق الديمقراطية في العالم الاسلامي ستكون حدود الديمقراطية وقيودها هي نصوص الشريعة المحكمة وثوابت الدين التي لا خلاف عليها،فمن حقنا أن نقتبس من غيرنا من الافكار والانظمة ما يفيدنا ولنا حق التحوير والتعديل فيها، ولا نأخذ من فلسفتها التي يمكن ان تحلل الحرام او تحرم الحلال ونضيف اليها من روحنا ما يجعلها جزءا منا ويفقده مع الوقت جنسيته الأولى، وقد فعلنا هذا كثيرا على مدار التاريخ الاسلامي واخذنا العلوم من اليونان وغيرها في بدايات الدولة الاسلامية ثم اعدنا تصدير هذه العلوم بما اضفناه من روحنا ومبتكراتنا للغرب فانقذناه من جهله وضلالة في عصور الظلام الغربي..


الشورى الملزمة

مبدأ الشورى من أهم مبادئ الدولة في الاسلام، وقد افردت هذه الفقرة لأتحدث عن 3 نقاط سريعة في موضوع الشورى


-اذا نظرنا لدولة الاسلام ايام سيدنا عمر -رضي الله عنه- سنجد انه كان دائما عندما كان يريد القطع بأمر من امور العامة، ينزل الى الطرقات ويسأل العوام رأيهم، ثم بعد هذا يجتمع بأهل الخبرة من الصحابة ذوي الرأي ثم يقطع بالأمر، اليس هذا اجتهادا مماثل لسن القوانين في الدول الديمقراطية؟ فيمر القرار على مجلس الشعب اولا (ممثل العوام)، ثم الى مجلس الشورى او الشيوخ او اللوردات اي كان المسمى (اهل الخبرة الاكبر)، ثم يصدق عليه الرئيس؟


-اتعرف عزيزي القارئ ان في النظام الامريكي كافة سلطات الرئيس تخضع لموافقة مجلس الشيوخ فيما يعرف في المصطلح الامريكي بadvise and consesnt والذي يترجم حسب السياق للشورى الملزمة ؟


-قد أمرنا الله بالشورى في القرآن ولكنه لم يضع آليات محددة وتركها لاجتهاد المسلمين، اليست المجالس النيابية اجتهاد لتحقيق الشورى ؟



لا سياسة الا ما وافق الشرع


 أجد من المناسب هنا ان استشهد بما اشار اليه ابن القيم الجوزية من استناد السياسة للشريعة وحسن تعلقها وارتباطها به مما يعني ذلك ضرورة ان يتسم المفتي بالوعي بحس الأمة وأصول مصالحها وسياسياتها واستراتيجياتها..


"وجرت في ذلك-كما يقول ابن القيم في كتابه الشهير "إعلام الموقعين عن رب العالمين"-مناظرة بين ابن عقيل الحنبلي واحد الفقهاء قال فيها الفقيه لابن عقيل : "لا سياسة الا ما وافق الشرع"..ورد عليه ابن عقيل بأن هذه المقولة يمكن أن تحمل معنيين ..أحدهما صواب والآخر خطأ، فان كان المعنى المقصود ان السياسة الشرعية هي كل شئ لا يتناقض مع ما نطق به الشرع فهذا سليم.اما اذا كان المقصود ان السياسية الشرعية هي فقط ما نطق به الشرع فهذا غلط وتغليط للصحابة لأنهم أنفسهم أتوا من المستحدثات ما لا يمكن ان ينكره عالم بالسنن،فقتال ابي بكر للمرتدين رغم شهادتهم أن لا اله الا الله،ونفي عمر لنصر بن حجاج،وجمع عثمان الصحابة على مصحف واحد رغما عن وفاة الرسول (ص) والقرآن متفرق بين الصحابة،وتحريق علي للزنادقة في الاخاديد رغما عن النهي بالعقاب بالنار،كلها أمور لا تخالف ما نطق به الشرع وفي نفس الوقت هي ليست مما نطق به الشرع،وهنا عقب ابن القيم بقوله : ((..هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام،وهو مقام ضنك في معترك صعب..فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرءوا اهل الفجور ،وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم على مصالح العباد ،وسدوا على انفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل،وعطلوها مع علمهم وعلم الناس أنها أدلة حق ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع من التقصير في معرفة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها..))،فان الله ارسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط،وهو العدل الذي قامت به السماوات والارض ،فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل،وأسفر صبحه فثم شرع الله ويدنه ورضاه وأمره."


تعالى الآن في رحلة قصيرة لمناقشة بعض قواعد الديمقراطية الاصيلة التي أخطأ الكثيرون في فهم معناها وكفروا خطئا من آمن بالديموقراطية بسببها!


الحكم للشعب والشعب مصدر السلطات


قول القائل ن الديمقراطية تعني حكم الشعب بالشعب، ويلزم منها رفض المبدأ القائل : إن الحاكمية لله ـ قول غير مسلم.
فليس يلزم من المناداة بالديمقراطية رفض حاكمية الله للبشر، فأكثر الذين ينادون بالديمقراطية لا يخطر هذا ببالهم، وإنما الذي يعنونه ويحرصون عليه هو رفض الديكتاتورية المتسلطة من السلاطين.فحكم الشعب المقصود ليس مقابله كمايظن البعض حكم الله! بل مقابله حكم الفرد! فحكم الشعب هو ضد حكم الفرد المستبد، أما حاكمية الله فلا تتعارض مع حكم الشعب! فهذا كقول الخوارج :" لا حكم إلا لله "! فهو قول صادق في نفسه، حق في ذاته، ولكن الذي أنكر عليهم هو وضعهم الكلمة، في غير موضعها، واستدلالهم بها على رفض تحكيم البشر في النزاع، وهو مخالف لنص القرآن الذي قرر التحكيم في أكثر من موضع، ومن أشهرها التحكيم بين الزوجين إن وقع الشقاق بينهما. ولهذا رد أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- على الخوارج بقوله : " كلمة حق أريد بها باطل " فقد وصف قولهم بأنه " كلمة حق "، ولكن عابهم بأنهم أرادوا بها باطلاً. وكيف لا تكون كلمة حق وهي مأخوذة من صريح القرآن :(إن الحكم إلا لله) ؟ (يوسف : 40).
فحاكمية الله لا يرفضها مسلم رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولاً.


والمسلم الذي يدعو إلى الديمقراطية إنما يدعو إليها باعتبارها شكلاً للحكم، يجسد مبادئ الإسلام السياسية في اختيار الحاكم، وإقرار الشورى والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاومة الجور، ورفض المعصية، وخصوصًا إذا وصلت إلى " كفر بواح" فيه من الله برهان.


ومما يؤكد ذلك : أن الدستور ينص ـ مع التمسك بالديمقراطية ـ على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين، وهذا تأكيد لحاكمية الله، أي حاكمية شريعته، وأن لها الكلمة العليا. ويمكن إضافة مادة في الدستور صريحة واضحة، إن كل قانون أو نظام يخالف قطعيات الشرع.فهو باطل، وهي في الواقع تأكيد لا تأسيس. لا يلزم ـ إذن ـ من الدعوة إلى الديمقراطية اعتبار حكم الشعب بديلا عن حكم الله، إذ لا تناقض بينهما. ولو كان ذلك لازمًا من لوازم الديمقراطية، فالقول الصحيح لدى المحققين من علماء الإسلام : أن لازم المذاهب ليس بمذهب، وأنه لا يجوز أن يكفر الناس أو يفسقوا أخذًا لهم بلوازم مذاهبهم، فقد لا يلتزمون بهذه اللوازم، بل قد لا يفكرون فيها بالمرة. 


وعايز انتقل لنقطه هنا وهي فكرة فرض الشريعة من الاسفل للأعلى، اي تدريب وتعليم الشعب على اختيار الشريعة وتحكيمها وليس فرضها من الاعلى بالقوة الجبرية، ويحضرني هنا اقتباس من سيد قطب احد اشهر المنظرين لفكرة "الحاكمية" :


"ليست المطالبة بإقامة النظام الاسلامي وتحكيم الشريعة الاسلامية هو نقطة البدء. ولكن نقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها --حكاما ومحكومين-- إلى المفهومات الاسلامية الصحيحة، وتكوين قاعدة تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل على إقامة النظام الاسلامي وتحكيم الشريعة الاسلامية).



(وبالتالي لا يكون الوصول إلى اقامة النظام الاسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغير في تصورات المجتمع كله --أو مجموعات كافية لتوجيه المجتمع كله-- وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة لا بد منها في حسهم




الحركات الإسلامية تشغل نفسها في أحيان كثيرة بالاستغراق في الحركات السياسية المحدودة المحلية، كمحاربة معاهدة أو اتفاقية، وكمحاربة حزب أو تأليب خصم في الانتخابات عليه.
كما أنها تشغل نفسها بمطالبة الحكومات بتطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية بينما المجتمعات ذاتها بجملتها قد بعدت عن فهم مدلول العقيدة الإسلامية والغيرة عليها، وعن الأخلاق الإسلامية.
ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية. وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به"



حكم الأكثرية قد يخالف حكم الله

وقد بيننا فيما سبق أن حكم الاكثرية ليس معناه الحرية في مخالفة الثوابت! فبكل ديمقراطية اختار المسلمون ان تقيد الديمقراطية بثوابت الشريعة ! فالمادة 2 الشهيرة تمنع ان يحكم الاكثرية اصلا بحكم مخالف للشريعة!وتستطيع بقضية صغيرة ان تبطل اي قانون مخالف للشريعة لدى المحكمة الدستورية العليا! ولا مانع من ان يتم انشاء مجلس يراجع القوانين الجديدة قبل اقرارها مكون من فقهاء وقانونيين يقر عدم مخالفة القوانين للشريعة قبل اصدارها ومعمول بهذا في امريكا وايران على سبيل المثال (في امريكا يتأكدون اهم لا يخالف الدستور واعلان الاستقلال طبعا ).
 :وسأورد في هذه النقطة قول العلامة الشيخ القرضاوي :


" فإذا اختلفت الآراء في هذه القضايا، فهل تترك معلقة أو تحسـم، هل يكون ترجيح بلا مرجح؟ أو لا بد من مرجح؟
إن منطق العقل والشرع والواقع يقول: لا بد من مرجح. والمرجح في حالة الاختلاف هو الكثرة العددية، فإن رأي الاثنين أقرب إلى الصواب من رأي الواحد، وفي الحديث: " إن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ". (رواه الترمذي في "الفتن"، عن عمر 2166، وقال: حديث حسن صحيح غريب. قال: وقد رُوي هذا من غير وجه عن عمر. رواه الحاكم (1/114) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي).
وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر وعمر: "لو اجتمعتما على مشورة ما خالفتكما". (رواه أحمد عن عبد الله بن غنم الأشعري (4/227) وفي سنده شهر بن وشب، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الإرسال والأوهام. إذ معنى ذلك أن صوتين يرجحان صوتًا واحدًا، وإن كان هو صوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما دام ذلك بعيدًا عن مجال التشريع والتبليغ عن الله تعالى). كما رأينا -صلى الله عليه وسلم- ينزل على رأي الكثرة في غزوة أحد، ويخرج للقاء المشركين خارج المدينة، وكان رأيه ورأي كبار الصحابة البقاء فيها، والقتال من داخلها في الطرقات. وأوضح من ذلك موقف عمر في قضية الستة أصحاب الشورى، الذين رشحهم للخلافة وأن يختاروا بالأغلبية واحدًا منهم، وعلى الباقي أن يسمعوا ويطيعوا، فإن كانوا ثلاثة في مواجهة ثلاثة، اختاروا مرجحًا من خارجهم وهو عبد الله بن عمر، فإن لم يقبلوه، فالثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.


وقد ذهب الإمام أبو حامد الغزالي في بعض مؤلفاته إلى الترجيح بالكثرة عندما تتساوى وجهتا النظر. (انظر: الشورى وأثرها في الديمقراطية للدكتور عبد الحميد الأنصاري). وقول من قال : إن الترجيح إنما يكون للصواب وإن لم يكن معه أحد، وأما الخطأ فيرفض ولو كان معه (99 من المائة)، إنما يصدق في الأمور التي نص عليها الشرع نصًا ثابتًا صريحًا يقطع النزاع، ولا يحتمل الخلاف، أو يقبل المعارضة وهذا قليل جدًا .. وهو الذي قيل فيه : الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. أما القضايا الاجتهادية، مما لا نص فيه، أو ما فيه نص يحتمل أكثر من تفسير، أو يوجد له معارض مثله أو أقوى منه، فلا مناص من اللجوء إلى مرجح يحسم به الخلاف والتصويت وسيلة لذلك عرفها البشر، وارتضاها العقلاء، ومنهم المسلمون، ولم يوجد في الشرع ما يمنع منها، بل وجد في النصوص والسوابق ما يؤيدها"



انهي مقالي الطويل جدا باقتباس آخر للقرضاوي لم اجد بدا من انهاء حديثي به :

"ويهمني أن أؤكد أنني لست من المولعين باستخدام الكلمات الأجنبية الأصل "كالديمقراطية ونحوها" للتعبير عن معان إسلامية. ولكن إذا شاع المصطلح واستخدمه الناس، فلن نُصِمَّ سمعنا عنه، بل علينا أن نعرف المراد منه إذا أطلق، حتى لا نفهمه على غير حقيقته، أو نحمله ما لا يحتمله، أو ما لا يريده الناطقون به، والمتحدثون عنه، وهنا يكون حكمنا عليه حكمًا سليمًا متزنًا، ولا يضيرنا أن اللفظ جاء من عند غيرنا، فإن مدار الحكم ليس على الأسماء والعناوين، بل على المسميات والمضامين. وكثير من الإسلاميين يطالبون بالديمقراطية شكلاً للحكم، وضمانًا للحريات، وصمامًا للأمان من طغيان الحاكم، على أن تكون ديمقراطية حقيقية تمثل إرادة الأمة، لا إرادة الحاكم الفرد وجماعته المنتفعين به.فليس يكفي رفع شعار الديمقراطية في حين تزهق روحها، بالسجون تفتح، وبالسياط تُلهب، وبأحكام الطوارئ تلاحق كل ذي رأي حر، وكل من يقول للحاكم : لم ؟ بله أن يقول : لا. وأنا من المطالبين بالديمقراطية بوصفها الوسيلة الميسورة، والمنضبطة، لتحقيق هدفنا في الحياة الكريمة التي نستطيع فيها أن ندعو إلى الله وإلى الإسلام، كما نؤمن به، دون أن يزج بنا في ظلمات المعتقلات، أو تنصب لنا أعواد المشانق."


ومن القواعد الشرعية المقررة : أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن المقاصد الشرعية المطلوبة إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها، أخذت هذه الوسيلة حكم ذلك المقصد. 


انتهى

Monday, April 4, 2011

في نقد النخبة ودورها وتأثيرها في المجتمع المصري

بعد انتهاء الاستفتاء على تعديلات الدستور بنتيجة 77% أثار انتباهي -وانتباه العديد من مثقفي النخبة- هذه النتيجة، لأن حشد كبير جدا ممن يطلق عليهم النخبة قد اختاروا لا وحشدوا وروجوا لها قدر الامكان، وظهر تأثر هذا في 4 ملايين ناخب فقط وهو يقودنا لسؤال الحلقة..اين تأثير النخبة في المجتمع؟! اتضح تماما ان هؤلاء الذين يطلق عليهم اسم النخبة هم "نخبة على نفسهم!" ولا يتأثر بخطابهم أحد!..وقد اثار هذا العديد من المفكرين وكتب بلال فضل وفهمي هويدي تعليقا على هذه الظاهره التي تستحق الدراسة،ورأيت ان اتطرق في تدوينتي هذه لهذا الموضوع وقد بدأت بالبحث في تعريف هذا اللفظ "نخبة"...

وجدت أن النخبة هي الأقلية المنتقاة من مجموعة اجتماعية (دولة او مجتمع او طائفة دينية) تمارس بفضل مواهبها النادرة نفوذا على بقية المجموعة ،فالنخبة السياسية مثلا هم قادة الرأي العام والمؤثرين فيهوالمشكلين لاتجاهاته والنخبة الدينية هي صفوة علماء الدين الذين يجلهم العوام ويستمعون لفتاواهم وهكذا ..

اذا تعمقنا في هذا التعريف نجد أن مفهوم النخبة ليس مرتبطا فقط بالكفاءه النادرة في المجال، بل مرتبطة أيضا بمدى التأثير الذي يمارسه النخبوين على باقي المجموعة، فنستطيع اذن ان نقول بكل اطمئنان ان كل هؤلاء ضيوف الفضائيات والندوات ليسوا على الاطلاق نخبة !

لماذا اذن؟! اليسوا هم العارفين العالمين الاكاديميين الممارسين لفنون العلم والسياسة والقيادة؟ ، هذا صحيح ولكن نسى هؤلاء أن النخبوية لا تكون في الابراج العاجية! لكي تكون مؤثرا في الشارع..ببساطه شديدة..انزل الى الشارع!!!.

ولكننا كنا نرى هؤلاء يعقدون الندوات في ساحات الفنادق الفخمة والجامعة الامريكية ويظهرون على القنوات الخاصة ويتحدثون بأسلوب نخبوي ملئ بمصطلحات معقدة مثل (اوليجاركية-اطروحات-عقد اجتماعي-وعي مجتعمي) ويظنون انهم بهذا يستطيعون الوصول للناخب رجل الشارع!..عاشوا في القصور العاجية والاضواء والفخامة ونسوا الشارع الحقيقي!..

والأدهى والأنكى، انهم لم يتعظوا بعد نتيجة الاستفتاء وظلوا على طريقتهم النخبوية لا ينزلون الى الشارع ثم يستغربون من قلة تأثيرهم ويتكلمون على قلة الوعي المجتمعي!..ويستغربون من انتشار الافكار السلفية وسيطرة الاخوان المسلمين-الذين يجتهدون كثيرا في التعامل مع رجل الشارع- على الارض!، 

هل يذكر أحدكم أن عمرو حمزاوي مثلا عقد ندوة في مكان عام يسهل على الفقراء سماعه؟، هل تحرك احدهم الى المحافظات وبدأ في انشطة التوعية وتحرك لتوعية الملايين؟ -باستثناء مبادرة نماء بقيادة د. هبةرءوف فهكذا تكون النخبة!.

أما هذه الأحزاب الورقية التي تطلق على نفسها اسم "القوى السياسية" وهي تسمية مضحكة للغاية!، أي قوى تلك التي يمثلها الوفد والناصري والغد ؟!، ما هي قواعدهم الشعبية ومن هم ناخبيهم؟! لا ادري بأي صفة يعقد هؤلاء الندوات ويشاركون في الحوارات باسم الشعب!، اي شعب يمثلون؟!، أليس حزب الوفد هذا ورئيسه من تسبب في اقالة ابراهيم عيسى وتدمير تجربة الدستور ؟ من سمع باسم الناصري هذا من قبل أصلا؟ وهل ينسى الجميع تراشقات رئيسي حزب الغد؟!، ثم يقولون انهم لم تتح لهم الفرصة لممارسة حياة سياسية سليمة!،وماذا عن الاخوان؟ الم يكونوا معكم في نفس البلد؟ الم ينكل بهم ويسجنون ويحظرون؟ ومع ذلك ناضلوا في تلك المساحة الصغيرة المفتوحة لهم وحققوا مكاسب حقيقية على الأرض يحاولون جني ثمارها الآن!، والالعن بقى! عندما يصدر قانون لتسهيل تشكيل الأحزاب نجد هؤلاء يعترضون على مدة ال30 يوما ويطلبون مدها!!!!!!

قل بالله عليك ماذا تسمي هؤلاء؟!، تحركوا قبل فوات الأوان، انزلوا الشارع وخاطبوه قبل ان تكتشفوا فجأة انكم تكلمون انفسكم وقبل ان تصبح قوى الثورة هي الاقليات!، تنتقدون الاخوان والسلفيين، انزل الى الشارع وناقشهم واعقد الندوات وادحض الفكرة بالفكرة وكفوا عن الظهور في الفضائيات والفنادق!

افيقوا والا...

Saturday, March 26, 2011

الديمقراطية الليبرالية..وتوافقها مع الاسلام والشريعة..

الديموقراطية...أكثر كلمة متداولة في الشارع اليوم..بين مؤيد ومعارض، بين من يرى ان الدولة لا تستقيم سوى بوجودها وبين من يرفضها تماما بدعوى انها غربية متعارضه مع الدين ويدعو لدولة اسلامية لا ديموقراطية ولا مهلبية..وأيضا على نفس المستوى ظهرت كلمة "الليبرالية" والتي يراها البعض الضابط السليم للديموقراطية ويراها الآخرون استيراد غير محمود من تراث علماني لا يليق بالمسلمين..

وقد رأيت قبل أن ابدأ ان يكون هذا الفيديو الشهير في رأس المقال..لأنه يعبر بدقة عن مفهوم رئيسي سأتناوله في هذه التدوينة و تناولته في التدوينة السابقة حول رفض أي فكرة أو مصطلح يبدو غربيا وغير عربي وغير نابع من الشرع بل ربما يصل الموضوع لأن يكون كل من يدعو لهذه الأفكارالعلمانية الاجنبية -في وجهة نظرهم- "مش هيورد على جنة"..



طبعا انا هنا لا اتحدث عمن اخذ موقفا محددا من الديموقراطية، فسوف اتحدث عن هذا بعد قليل، ولكني اردت ان اشير الى اننا "أعداء" ما نجهل، واننا نميل الى رفض وكره مالا نعرفه ..

ولهذا أردت ان اتحدث باستفاضه شديدة وبعمق عن هذه القيمة الهامة جدا التي تسمى الديموقراطية والتي اراها هي الطريق الحقيقي للحصول على مجتمع عادل متوافق مع الشريعة الاسلامية وفي نفس الوقت يحفظ حقوق مواطنيه بغض النظر عن ديانتهم وعقائدهم..

وعليه وقبل أن نتوغل في الحديث يجب أن نعرف أولا..ما هي الديموقراطية التي نقصدها ونتحدث عنها؟!

فقد اشتقت الكلمة في الأصل من المقطعين "ديموس" اي "عامة الناس" و "كراتوس" أي  "حكم" وهذا في اللغة اليونانية القديمة ،تعني ببساطة "حكم عامة الناس" أو "حكم الشعب لنفسه" وقد نشأت في أثينا حيث كان لكل الأحرار الحق في التصويت والحديث في المجلس العمومي وكانت تلك احد اقدم الديموقراطيات في العالم، وقد ظهرت الديموقراطية كتطبيق سياسي لأفكار العديد من فلاسفة التنوير كجون لوك وستيوارت ميل وغيرهم من الفلاسفة الذين نظروا لفكرة المساواة الكاملة بين الأفراد وعدم الأفضلية لشخص دون آخر مما تطور مع الوقت ليخلق نظام الديموقراطية في الحكم اي ان يحكم الشعب نفسه لأن ليس لأحد وصاية عليه.

تطورت أشكال الديموقراطية عبر الزمان مع تطور شكل الدولة وتعقيدها لتصل لشكلها الحالي الذي طور آليات تمكن الشعب من حكم نفسه عن طريق اختيار مجلس يمثل الشعب وينتخب من بينهم بشكل نزيه وبقواعد حرة "المجالس النيابية بأشكالها" وهي المسؤولة عن الحكم و وضع القوانين ممثلا للجموع والدستور وهو العقد الاجتماعي الذي يمثل توافق المجتمع حول مجموعة من القواعد والحريات لا يجوز ان يحرم منها أحد .
ببساطة شديدة و بدون تعقيد..الديموقراطية هي "حكم الأغلبية"، ولكن مع تطور الدول والديموقراطية ظهر على الساحة سؤال آخر طرح نفسه.."وماذا عن الأقلية؟"..فانا كأكثرية بيضاء في بلد اوروبي مثلا استطيع ان استخرج قانونا يمنع السود من دخول المحال العامة -كما كان في امريكا قبل تحرير العبيد-وهذه هي الديموقراطية فعلا ولكن هل في هذا عدل؟..بدون أدنى شك لا!..لهذا ظهرت فكرة "الليبرالية" لضبط هذه المسألة.
فالفكر الليبرالي يشدد على أهمية وقيمة الفرد، وعلى حقه في التمتع بالحريات المدنية بدون أي حسابات أخرى..فالليبرالية تقول أن من حق كل فرد ان يكون متساويا مع غيره امام القانون وان يتنقل بحرية وغيرها من الحقوق المدنية بدون اي تمييز على اساس العرق او اللون او الديانة..وبهذا تكمل الليبرالية الديموقراطية وتصبح الديموقراطية الليبرالية ببساطة شديدة:

"حكم الاغلبية دون سلب الأقلية اي من حقوقهم المدنية لأن هذه الحقوق مكفولة لكل الأفراد دون تمييز."

وهنا يجب علي أن اتوقف قليلا امام قضية هامة للغاية..وهي مدى ملائمة هذا الفكر ومعارضته للدين والشريعة الاسلامية؟

ويجب أن اوضح هنا اني انطلق من رأيي الذي صغته في تدوينتي السابقة، بأن علم السياسة ومفاهيم السياسة الغربية هي " تراث انساني فكري لجماعة من البشر طورت اساليب لمواجهة القمع والاستبداد في سياق معين من الزمن والتاريخ، ولا يجب أن نرفض هذا لمجرد انه قادم من اطار غير اسلامي بل يجب أن نتعلم منه ونتفاعل معه بما يتناسب مع تراثنا ونموذجنا المعرفي وقواعد شريعتنا الاسلامية"..فالمسلم في النهاية انسان يجمعه جانب انساني مشترك مع غيره من البشر وعليه فان المسلمين من الممكن ان يتعلموا اي شئ مفيد لهم ولمجتمعهم بغض النظر عن مصادره طالما لا يتعارض مع الخلق القويم ومع ما هو قطعي الدلالة والثبوت من نصوص الدين الحنيف.

وهذا في رأيي أحد اهم نقاط الخلاف بين السلفيين وغيرهم من المسلمين المجددين المعتقدين في الديموقراطية وهو ان السلفيين يرون ان الصواب هو فقط ما نطق به الشرع اما غيرهم من المجددين فيرون ان الصواب هو كل ما يحقق العدل والانصاف بين البشر وان لم يذكر صراحة في المصادر الرئيسية للشريعة لأن الشريعة تقوم على مصلحة الانسان في دنياه وآخرته.

و أجد من المناسب هنا ان استشهد بما اشار اليه ابن القيم الجوزية من استناد السياسة للشريعة وحسن تعلقها وارتباطها به مما يعني ذلك ضرورة ان يتسم المفتي بالوعي بحس الأمة وأصول مصالحها وسياسياتها واستراتيجياتها..

وجرت في ذلك-كما يقول ابن القيم في كتابه الشهير "إعلام الموقعين عن رب العالمين"-مناظرة بين ابن عقيل الحنبلي واحد الفقهاء قال فيها الفقيه لابن عقيل : "لا سياسة الا ما وافق الشرع"..ورد عليه ابن عقيل بأن هذه المقولة يمكن أن تحمل معنيين ..أحدهما صواب والآخر خطأ، فان كان المعنى المقصود ان السياسة الشرعية هي كل شئ لا يتناقض مع ما نطق به الشرع فهذا سليم.اما اذا كان المقصود ان السياسية الشرعية هي فقط ما نطق به الشرع فهذا غلط وتغليط للصحابة لأنهم أنفسهم أتوا من المستحدثات ما لا يمكن ان ينكره عالم بالسنن،فقتال ابي بكر للمرتدين رغم شهادتهم أن لا اله الا الله،ونفي عمر لنصر بن حجاج،وجمع عثمان الصحابة على مصحف واحد رغما عن وفاة الرسول (ص) والقرآن متفرق بين الصحابة،وتحريق علي للزنادقة في الاخاديد رغما عن النهي بالعقاب بالنار،كلها أمور لا تخالف ما نطق به الشرع وفي نفس الوقت هي ليست مما نطق به الشرع،وهنا عقب ابن القيم بقوله : ((..هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام،وهو مقام ضنك في معترك صعب..فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرءوا اهل الفجور ،وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم على مصالح العباد ،وسدوا على انفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل،وعطلوها مع علمهم وعلم الناس أنها أدلة حق ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع من التقصير في معرفة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها..))،فان الله ارسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط،وهو العدل الذي قامت به السماوات والارض ،فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل،وأسفر صبحه فثم شرع الله ويدنه ورضاه وأمره.

وهنا يفيد أن نشير أن الرسول (ص) استخدم المنجنيق في احد حروبه وهو اداة رومانية مستحدثه لم يستحدثها المسلمون، واخذ المسلمون نظم الري والصناعة من الفرس والروم ولم يجدوا في هذا حرجا، ولهذا فلا يجب -ولا يمكن- ان يدحض المسلمون الحكمة الموجودة في كتب "أهل الباطل" ،ولا مشاحة في بحث المؤمن عن الحكمة اينما كانت فلا نرفض الداروينية والماركسية واسهامات فرويد وكانط وروسو في التراث الانساني بسبب ان كل ما فعله هؤلاء غير صحيح!، فبعض ما يقولونه من الممكن ان يكون مفيدا ومستحقا للدراسة..وهنا يظهر النضج والقدرة على التفاعل وعظمة الاسلام الذي يسمح بالتفاعل مع كل الحضارات واستخلاص ما يفيد وطرد الخبيث الغير نافع.

فالديمقراطية في جوهرها متوافقة مع قواعد الدين الحنيف:
فالمجالس النيابية هي التطبيق الحديث للشورى الملزمة المعلمة كما وصفها القرضاوي
والمساواة المطلقة امام القانون واحترام الحقوق والحريات هي من أسس ومبادئ ديننا الحنيف 

اما الدستور فهو القانون والشريعة الدنيوية التي يجب أن يحترمها كل من في الدولة ويحمي العباد من بطش الحاكم.

وقد قال الشيخ رشيد رضا في احد فتاواه الشهيرة بأن الدستور والحكم بنظام دستوري هو من الاسلام ..."مادام الدستور لا يتعارض مع النصوص الثابتة وللأصول والقواعد الشرعية المستنبطة منها كالعدل ورفع المضار وجلب المنافع وغيرها من الأحكام كان ذلك الدستور موافقا للدين الاسلامي في جزئياته وتفصيلاته وان كان بعض هذه المسائل مخالفا لها يكون الدستور نخطئا فيما خالف فيه،كما أخطأ كثير من الفقهاء في بعض الأحكام في كتبهم وللأمة حينئذ ان تنبه مجلس نوابها على ذلك لتداركه اذا تبين له."

ويرد رشيد رضا على اعتراضين اساسيين هما:

-ان اولى الامر الذي فوض كتاب الله اليهم استنباط الاحكام يجب ان يكونوا من المسلمين، ومجلس النواب مؤلف من المسلمين وغيرهم،والجواب على هذا..." ان استشارة ومشاركة غير المسلمين في الرأي غير ممنوعة بل ومطلوبة اذا كان فيها مصلحة الأمة،لأن المصلحة في الأصل في جميع الأحكام الدنيوية حتى قال بعض علمائنا انها تقدم على النص اذا عارضته كما نقلناه عن الطوفي في "تفسير المنار".."

-اما الاعتراض الثاني فهو ان الذين يستنبطون الاحكام من المسلمين يجي ان يكونوا من اهل العلم والاجتهاد، "واني اجيب عن هؤلاء ان ما ذكره الاصوليون من شروط المجتهدين ليست نصوصا تعبدنا الله تعالى بها فيما اوحى لنبيه،وانما هي آراء هؤلاء الاصوليون،وقد بينا الحق في ذلك في موضع آخر..وقد جعل الله تعالى لجماعة اولى الامر من الأمة ان يتسنبطوا برأيهم من الاحكام ما تمس حاجتها له وأطلق ذلك فإن كان هناك ادلة تدل على انه يشترط فيهم ما قال علماء اصول الفقه في المجتهدين فلتكن كتلك التي اشترطوها في الخليفة والقاضي من حيث انه يجب تحصيلها ويقدم من توافرت فيه، ولكن لا تتعطل الأحكام بفقدها.."

وأجمل قوله : "ان الأمة يمكنها بالدستور ان تحيي دينها ودنياها فان لم تفعل فكان الاثم عليها، نعم هي لا تستطيع ذلك الا بالتدرج كما نشأ الاسلام وترقى بالتدرج،فكان شأنه في عهد صلح الحديبية غير شأنه بعد فتح مكة، فلا ينبغي ان ننسى هذا.."

وأجمل انا القول بأن الديموقراطية الليبرالية هي خلاصة ما وصل اليه التراث الانساني في نظم الدول الحرة المقاومة للاستبداد، ويجب علينا كمسلمين ان نتفهم ونتعلم هذه القيمة الكبيرة وان نتفاعل معها فيما يتناسب مع ديننا الحنيف ونرفض منها مالا يناسبنا فيما يمكن ان نسميه "أسلمة الديموقراطية".


ومما قد لا يعرفه الكثيرون هناك العديد من انواع الديموقراطية ومدارسها الفكرية ولكني معني هنا بشكل أكثر دقة ب"الديموقراطية الليبرالية"، وقد قال الأكاديميين والمنظرين بأن هناك 6 صفات أساسية للديموقراطية الليبرالية اي انحراف في اي صفة يعني خطوة ناحية الاستبداد وانخفاض في مستوى الديموقراطية نوردها لنتفهم بعمق أوسع معنى الديموقراطية المرجوة:

-حق التصويت مكفول للجميع بدون تمييز ديني او عرقي ودون انتقائية (وهو مبدأ المساواة بين البشر الذي يقره الشرع).

-المنافسة مكفولة لكل القوى السياسية والاقصاء ممنوع مادام الفصيل السياسي يحترم قواعد اللعبة الديموقراطية واطارها القانوني .

-احترام الحقوق المدنية (شرط الليبرالية) أي ان الحريات المدنية للكل اغلبية واقلية مكفول والحريات العامة للجميع بدون تمييز وغير مقبول بأن تقر الاغلبية قوانين عنصرية او فيها حرمان للأقلياتمن اي حقوق لمجرد انهم اقليات (فلا تبغي فئة على فئة وهذا جوهر العدالة التي يدعوا اليها الاسلام بحفظ حقوق غير المسلمين ماداموا ليسوا اعداءا حربيين.)

-وجود تعدد لمراكز صنع القرار بما يتضمنه هذا من مساءلة ومسئوليات متوازنة فلا يوجد من هو فوق المساءلة (وقد وضع الامام الغزالي اهمية دفع الاستبداد ومساءلة الحكم فوق التحكيم بالشريعة وقبلها حين رفض دستور تقي الدين النبهاني الاسلامي ومدح دستور 1923 المستمد من الدستور البلجيكي لأنه يضع اسسا لمساءلة الحاكم ومنع استبداده خلا منها الدستور الاسلامي للنبهاني).

-قبول كافة اطراف اللعبة الديموقراطية بنتائجها وقواعدها-شرط الاستدامة-والا صار الوضع غير مستقل وخرج كل خاسر من الانتخابات ليثير فتنة وتظاهرات في كل مكان (هذه نقطه تختلف عن الطعن في نتائج الانتخابات نتيجة الظن في وجود تعدي على القواعد وهنا القانون والمحكمة هو الفيصل)..

-الشرعية الوحيدة هي أصوات الناخبين وصندوق الاقتراع والا تحول الأمر لديموقراطية بدون ديمقراطيين او ديموقراطية نخبوية.


فالديموقراطية في رأيي مقدمة على الشريعة، ليست أولوية تفوق وتفضيل ولكن أولوية تقديم و ترتيب على نحو مشابه على تقديم الطريق على الجامع حيث انك تحتاج لان تمشي في الطريق لتصل إلى الجامع، وعليه فعليك ان تعطي الناس الحق في اختيار من يحكمونهم حينئذ يمكن لهم ان يختاروا الشريعة او غيرها فأنا اعارض اجبار الناس على الشريعة، فكما قال من قبل أحمد كمال ابو المجد "ان اجبرتهم على الشريعة فأنك بهذا لا تخلق أمة من المؤمنين ولكن أمة من المنافقين "، وليس هذا ما نريده!.

وان كنت لا ارى بالاساس خلافا واضحا بين قيم الديموقراطية والاسلام، فربما تخوف المسلمين مثلا من ان الديموقراطية قد تقبل حرية زواج المثليين والاباحية كنوع من الحرية الشخصية كما ذكر الامام الحويني في احدى دروسه وهو كلام غير دقيق، فالديموقراطية هي توافق مجتمعي شامل ن والمجتمع الاسلامي الرافض للاباحية وزواج المثليين على سبيل المثال يستطيع بديموقراطيته وبحكم اغلبيته ان يرفض تشريع واباحة واشياء كهذه يرفضها اصلا المجتمع كأغلبية لذا فلا يجب أن ننظر لتطبيق الغرب للديموقراطية فلنا سياق وأفكار وثقافية تختلف عن الغرب لذا فتطبيقنا وتفاعلنا مع الديموقراطية سكون مختلفا، فالديموقراطية بالنسبة لنا هي اداة للتخلص من قمع الحكام والاستبداد وليس كما يظن البعض-خطئا- اداة لاشاعة الفوضى والانفلات في المجتمع!.

وان كان هناك من يرى ان الديموقراطية وحكم الاغلبية فيه مخالفة لمبدأ الحاكمية "وان الحكم الا لله" فهذا أيضا مردود عليه!،

فالديموقراطية الليبرالية التي نريد تطبيقها في بلادنا الاسلامية لن تكون نسخا كاملا من الديموقراطية الغربية، فنحن لنا نسختنا الخاصة بسياقها من الديموقراطية ولعلي هنا اقتبس من مقال لاستاذي د معتز عبد الفتاح والذي يتحدث في هذه النقطة قائلا:

"بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية.» وهاتان الكلمتان الأخيرتان مهمتان للغاية. لماذا؟ لأن مذاهب الفقه الإسلامى من السعة بحيث إنها تستوعب مساحة هائلة من الاجتهادات التى تقبل بالأغلبية الكاسحة من مبتكرات وانجازات المدنية الحديثة. ولنأخذ مثلا: يذهب كل علماء الدين الإسلامى إلى أن إطلاق اللحية واجب؟ هل هذا يعنى أن الدستور الجديدة سيبيح للقانون أن يعاقب غير الملتحى. الإجابة لا، لأن من أبواب الفقه يرى بعض الشافعية أن إطلاق اللحية ليس واجبا، ولهم أسبابهم وأدلتهم. إذن يتسع الاجتهاد الفقهى لاستيعاب حق من يرى عدم إطلاق لحيته أخذا بأن أحدا لا يملك أن ينكر على المجتهد اجتهاده. 

ومع ذلك يظل أخيرا، التأكيد على أن المادة الثانية من الدستور لا بد أن تبقى، ولكن لا بد كذلك من تقييدها بقيدين فى مواد أخرى وهما قيدان من أصل الشريعة أيضا: الأول أنها لا تمنع حقا لغير المسلمين فى ممارسة عقيدتهم أو شعائرهم وفقا لقاعدة «لا إكراه فى الدين»، الثانى، أن الشعارات الدينية (إسلامية أو مسيحية) ليس أداة للتجنيد التصويتى أو الانتخابى أو الحزبى عملا بقول الحق سبحانه: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»."

وانهي حديثي بان ادعوكم برؤية هذا الفيديو القصير الذي يتحدث عن معنى الديموقراطية بشكل مبسط:


مصادر
-------
الاسلام والديموقراطية، د. معتز بالله عبد الفتاح
في فقه الدولة المسلمة، د. يوسف القرضاوي
في النظام السياسي للدولة الاسلامية، د. سليم العوا
الاسلام عقيدة وشريعة، الشيخ محمد شلتوت
اعلام الموقعين، ابن القيم الجوزية
دراسة في فقه مقاصد الشريعة، د. يوسف القرضاوي
تكوين المجال السياسي الإسلامي "النبوة والسياسة"، د. عبد الإله بلقزيز
موسوعة اليهود واليهودية، د. عبد الوهاب المسيري
بعض مواقع الانترنت وفيديوهات


والى اللقاء في تدوينة أخرى...

Tuesday, March 22, 2011

عن النظرية السياسية و أنظمة الحكم....وعلاقتها بالاسلام؟

"عندما يأخذ الاسلاميون الفرصة ليفهموا قيم الحداثة الغربية مثل الديموقراطية وحقوق الانسان، سيعملون على ايجاد مكان لها في القيم الاسلامية لأنها في الأصل موجودة،وإن كان بعضها ليس موجودا فسيغرسونها ويرعونها مثلما فعل الغربيون من قبل، عندما غرسوا هذه القيم في أرض أقل خصوبة"

  راشدالغنوشي مؤسس حركة النهضة الاسلامية التونسية والمفكر الاصلاحي التونسي الكبير

رأيت أن أفضل بداية لهذه المدونة أن أبدأها بهذا الحديث عن جوهر وتطور الانظمة السياسية وهو العلم الذي يهتم بدراسة و تصنيف أشكال الدول وأنظمتها  فمنها ما هو استبدادي ديكتاتوري ومنها ما هو ثيوقراطي و أوتوقراطي وديمقراطي وغيرها من المسميات التي لا يعنينا الآن معناها قدر ما يهمني أن أتحدث عن جوهرالنظرية وعلاقة الدين بالسياسة وما يسميه البعض "استيراد الانظمة السياسية من الغرب".

اذا تأملنا قليلا في حقيقة تاريخية بسيطة تقول "الاسلام أصغر عمرا من المسيحية ب600 عام" ، واذا كان لهذا دلالة ما، فهي أن أوروبا المسيحية منذ 600 عام كانت في عصورها الوسطى الظلامية ، عهد سيطرة الكنيسة على العقل و صكوك الغفران ومحاكم التفتيش وقتل الابداع واتهام مخالفي الكنيسة بالهرطقة وما جاليليو ببعيد عن أذهاننا...،

 ولهذا فقد بدأت جهود أوروبا المسيحية في تطوير مسألة الدولة قبل فترة كبيرة من منطقة الشرق الاسلامي وما الديموقراطية وتطبيقاتها الا جهود مشتركة بين الجنس البشري لمحاربة الطغاة والاستبداد في أي زمان، وهي نوع مما أسماه د . معتز عبد الفتاح "قهر القهر" أي وضع قيود "قانونية ودستورية" على صانع القرار بغض النظر عن دينه و نوعه..ومن هذا المنظور وهذا المنطلق يجب أن ننظر للديموقراطية وتطبيقاتها، على أنها جهد بشري وخلاصة تطور محاربة القمع والطغيان في الحكم بشكل عام والكنسي في عصور اوروبا الوسطى بشكل خاص..

قد يسأل سائل..وهل خلا التاريخ الاسلامي من تجارب مماثلة؟ وأين اسهامات المسلمين في تطوير نظم حكم وآليات دولة حديثه تتناسب مع النموذج المعرفي الاسلامي ومبادئ الحاكمية والشريعة؟..وهو سؤال مفصلي تقوم على اجابته هيكل هذه المدونة بشكل عام وقلب هذه التدوينة بشكل خاص..
يعود  إخفاق المسلمين في هذا المجال بالأساس الى فترة الحكم العثماني ثم الاستعمار الاوروبي لمعظم المجتمعات المسلمة، فقد شهد الغرب انطلاقته الكبرى نحو حكم القانون والديموقراطية الليبرالية في نهايات القرن السادس عشر وصولا الى استقرار القيم والمفاهيم الحاكمة لهذه النظريات بعد الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي كانت فيها المنطقة الاسلامية كلها ترزخ تحت وطأة أصفاد الاستعمار  مما أدى لتشويه وتأخير التطور الطبيعي لآليات الحكم فيها،ولذا فإن الطريقة السليمة لتصحيح هذا التأخر التاريخي  هي محاولة اللحاق وتعلم ما كان على المسلمين أن يخترعوه ويطوروه لو لم تحدث هذه الظروف التاريخية التي أدت لأسبقية الغرب في هذا التطور الفكري في آليات الحكم ضد الاستبداد..

ولا نقول هنا أنه ينبغي علينا استيراد النموذج الديموقراطي الغربي بشكل كامل ودون تمحيص لعالمنا الاسلامي، ولكني أزعم منذ البداية أن عقيدة الاسلام وأفكار فلاسفة ومفكرين اسلاميين كبار قد ساهمت بشكل كبير في تشكيل فكرة وقيم الديموقراطية، وقد قام المسلمون بإسهامات هامة للغاية في فلسفة الديموقراطية بالتأكيد على قيم الوحدة واحترام النظام والمساواة والتعايش السلمي والغاء العبودية، فهذه القيم التي تشكل أساس القيم الديموقراطية موجودة بالأساس في شريعتنا الاسلامية!..

ولهذا فإني أزعم ان تفهم قيم الديموقراطية بعمق والنظر لهذه الجهود على انها مجهود بشري طوره أناس رزخوا تحت سيطرة كهنوت الاستبداد الكنسي لقرون ومحاولة "أسلمة الديموقراطية" كما اسميها والتفاعل معها ودمج قيمها المتوافقة مع ديننا الحنيف هي سبيلنا الحقيقي لتطوير آليات حكم رشيدة متوافقة مع ايقاع العصر الحديث وتعقيده، ومنسجمة تماما مع العقيدة الاسلامية والشريعة ...

وقد بدأ العديد من المفكرين المسلمين مشوار تطوير و"أسلمة الديموقراطية"، فقد كانت اسهامات الشيخ القرضاوي في كتابه "في فقه الدولة المسلمة" جواز السفر للنخب الاسلامية للتعامل مع الديموقراطية على انها اسلامية وأعطى مبررات عديدة للتعامل مع فكرة التصويت والمشاركة في الانتخابات والتنافس الحزبي .


كما كانت جهود العراب الكبير المستشار طارق البشري بارزة في تبني صيغ مدنية للعلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم وتجاوز الصيغ التقليدية لاشكاليات "أهل الذمة" و "ولاية غير المسلم على المسلم" على اعتبار ان القضية الأخيرة لم تعد محل اعتبار في مجتمعات حديثه تقوم على المؤسسات وأسس لفكرة "ولاية المؤسسة وليس ولاية الفرد".

كما كان لد. سليم العوا وراشد الغنوشي وحسن الترابي وغيرهم من المفكرين المستنيرين اسهاما كبيرا في الدعوة لسلطة الشعب بشرط ألا يقرر ما يتعارض صراحة مع ما هو قطعي الدلالة والثبوت من القرآن و السنة..

وكلها محاولات لاجتياز الفاصل التاريخي الذي سبق الاشارة اليه وأيضا ملء الفراغ في غياب تشريع سياسي قرآني مفصل،فقد قدم النص القرآني مدنة تفصيلية من التشريعات تشمل معظم مناحي الحياة الاجتماعية كالبيوع والتجارة و غيرها ولكنه اكتفى في المسألة السياسية بمبادئ عامة كمبدأ الشورى (ولم يوضح النص من تشملهم الشورى) وغيرها..

وأختم هذه التدوينة بالقول أن السبيل لنظام "إسلامي" في حكم الدولة لا يتعارض مع الشريعة ويمنع كافة أشكال الاستبداد يبدأ من "أسلمة الديموقراطية" والتفاعل الثقافي معها والنظر لتراث النظرية السياسية كمجهود بشري تم في سياق معين يجب أن نستفيد منه وألا ننظر اليه على انه "قيم مستوردة من الغرب الفاسق" ...

والى اللقاء في تدوينة أخرى...