مقدمة

تخاريف دماغ مش متربية ...

Thursday, May 10, 2012

بين أصنام العجوة المصنوعة في الاعلام وإله الحقيقة، كيف تجد طريقك؟




"كل الحقائق سهل فهمها عند اكتشافها، ولكن المشكلة باكتشافها"  جاليليو



تكمن أكبر مشاكل التعاطي مع الوسيلة الإعلامية في آلية النقد والتدقيق، وفي غياب مهارة التفكير النقدي Critical Thinking، وهذه المهارة تنقص طرفي المعادلة ، الوسائل الإعلامية والمشاهد ، أو فلنعمم هنا، الناس بشكل عام، تفتقد لهذه المهارة التي تعني باختصار "عملية تحديد وتقييم المعلومات الواردة على حواسك بأن تقبلها أو ترفضها أو تبدي تحفظا عليها"، أو بتبسيط أكثر أن تضع حاجزا بين المعلومات الواردة وعقلك وأن تتشكك وتتسائل عن جودة وصحة وموضوعية المعلومة الوارده قبل أن تقبل دخولها إلى عقلك أو ترفضه، والنتيجة أنك تترك العالم يحدد لك ما تعرفه ، ما تقبله وما ترفضه، ما تحبه، ما تأكله وما تريد شرائه..


وسائل  الإعلام ، المدرسون، السياسيون وغيرهم ، وهذا هو المطلوب يا رفيق، هم لا يريدوك أن تعلم، لهذا لا تتعلم في المدارس كيف تنتقدهم، كيف تعرف أن ما يقدم لك في  الإعلام ليس الحقيقة، أن ما يقوله السياسة اعتمادا على ضعف ذاكرتك لا يجب أن يكون الحقيقة، أن ما تتعلمه في المدرسة ليس قرآنا منزلا يا رفيق، فالمنهج الدراسي يا سيدي مخصص من أجل  أن تصبح طفلا جميلا مطيعا تشرب اللبن وتنام في التاسعة.


"لكني سأخبرك مالا يريدون ، لا يريدون مجتمعا من المواطنين القادرين على التفكير النقدي، لا يا سيدي ،لا، هذا مضاد لمصالحهم، لا يريدون أشخاصا أذكياء يجلسون حول مائدة العشاء يفكرون كيف تضطهدهم الدولة هكذا ، لا يا سيدي ، هم يريدون عمال، عمال مطيعين منتجين، أذكياء بالقدر الكافي لتدوير الماكينات وإنهاء الأعمال الورقية وأغبياء بالقدر الكافي لعدم الاعتراض على وسائل الحياة المعدومة والمرتبات الزهيدة وساعات العمل المتزايدة و تضخم الأموال في جيوب السادة، والغريب أن أحدا لا يلاحظ هذا ! "    جورج كارلين



آه ، أما زالت لم تلاحظ هذا بعد يا صديقي؟ تعالى نطالع معا كمية الأكاذيب التي ألقيت علينا من وسائل إعلامية مختلفة ، "مضاجعة الموتى" ، "مخطط تقسيم مصر" ، "التمويل الأجنبي" ، حزب الله القائم بالثورة" ،"تسبب البرادعي بحرب العراق" ، "موافقة ابو الفتوح على التطبيع"،  همم، جميل جميل ولكن يجب ألا ننسى الألعاب الأحلى : "الانفلات الأمني" و"تامر من غمرة" و "اقتحام وزارتي الدفاع والداخلية"، كلها أكاذيب سهلة الانكشاف يا عزيزي، ولم يبذلوا جهدا كبيرا في ترويجها، أتعرف لماذا ، لأنهم يعرفونك، يعرفون أنك لا تبحث عن الحقيقة بل ترضى بعبودية وسائل الاعلام وسجن الايدولوجيا وطاعة الكبار والسادة، لا ترغب في  أن تجهد نفسك في معرفة الحقيقة وتستجليها وتستقصيها وتتثبت من المصدر والمعلومة وقائلها ومدى حجيته، أتريد المزيد ؟ دعني اذكرك ب"الاستقرار" و "أزهى عصور الديمقراطية" و "الجيش لم يطلق رصاصة واحدة على مصري" ، أترى كيف يهينون ذكائك ؟ هم يراهنون على هذا الكسل ، ويغضبون كثيرا عندما تعرف الحقيقة، ويفعلون ما بوسعهم حتى لا تعرف كيف تتأكد من الحقيقة، ولكنهم لا يستطيعون الآن يا رفيق، فنحن لسنا كمن قبلنا ، لن يخدعونا كما خدعوا من قبلنا ...


ولكن هذا سوف يكون موضوعا طويلا للغاية، لذا فسأكتفي بأن نتحدث اليوم سويا فقط عن وسائل الاعلام، وكيف نتابعها بشكل نقدي، كيف نقبل أو نرفض ما نراه، نصدقه أو نكذبه، خاصة مع تطور وتنوع هذا الوسائل فبعدما كان المصدر الوحيد هو التلفاز والمدرسة ومؤسسات الدولة أصبح   الإنترنت وسيلة اعلامية، أصبحنا نستقي المعلومات والأخبار من   الإنترنت ومن تويتر والفايسبوك ، الجرائد الاليكترونية ومدونات النشطاء وكتابات الاصدقاء ومقاطع الفيديو، لم تصبح الجريدة ومقالات كبار الكتاب هي مصادرنا الوحيدة، بل أيضا نصل الي المجلات والجرائد الاجنبية ونتابعها ، كيف نتاكد اذا من صدق وكذب معلومة في وسط هذا البحر المتلاطم من المعلومات الواردة ؟


يجب أن تكون متشككا، متشككا جدا ، وان تطرح العديد من الأسئلة قبل أن تقبل المعلومة وترفضها ...

****

لنفعل هذا ، تعالوا نتناول الموضوع بشكل علمي قليلا :


تنقسم المعلومة لعدة أقسام يجب أن نتثبت من كل جزء منها :


القائل أو مالك المعلومة ومصدرها-
الناشر أو وسيلة الاعلان-
الموضوعية والعقلانية-
السياق والتاريخ-



القائل:


نبدأ دائما باختبار القائل..
هل حقا قال هذا ؟ وكيف نتثبت أنه فعلا القائل؟ومن هو أصلا ؟ هل يملك مصداقية في هذا الموضوع ؟ ما هي مؤهلاته حتى تصدقه وهو يتكلم في هذا الموضوع ؟ هل هذا هو مجال اختصاصه أصلا ؟هل له اتجاهات فكرية معينة معروفة مؤثرة على بيانه ؟هل هناك شبهات معينة حوله ؟



مثال : انتشرت شائعة لفترة أن البرلمان ناقش قانونا لاباحة "مضاجعة الموتى" ، وانتشر الخبر كالنار كالهشيم، لم يتسائل أحد عمن قال هذا أصلا!، وقبل الكثيرين بالمعلومة وللأسف منهم الكثير من الأكاديميين ! رغم انه لو توقف شخص واحد وأعمل سؤال القائل لعرف الحقيقة، فلو جربت  أن تبحث عن الموضوع على   الإنترنت لتوصلت أن بداية الخبر جاءت من مقال في جريدة الأهرام اسمه
"وا اعلاماه" لعمرو عبد السميع يقول فيه بالنص :


"إذ بتنا نسمع ـ في هذه الأيام السعيدة ـ من يتحدث عن ضرورة صدور تشريع يسمح للبنت بالزواج في سن الرابعة عشرة, أو قانون آخر يقر ما سماه البعض (مضاجعة الوداع) التي تسمح للزوج بمواقعة زوجته خلال الساعات الست التي تلي وفاتها!, هذا الي جوار المنظومة التقليدية التي ترمي الي سلب النساء حقوقهن في العمل والتعليم, ومحاصرتهن بأكثر التفسيرات رجعية وجهلا للنصوص الدينية."


المقال كاملا :


حسنا ، هذا خبر كامل ، سنعمل على تحليله سويا بسؤال القائل :


-هل حقا قال هذا ؟ ينسب عمرو عبد السميع الكلام للمجهول"بتنا نسمع" فمبدئيا لا يعتد بهذا مصدرا لمعلومة، ثم في جزء آخر من المقال يشير لأن هذا الموضوع معروض على البرلمان ، فهل هناك في مضبطة البرلمان أو في اي من حلقاته المذاعة اي اشارة لهذا ؟ وهل يعقل أن يحدث هذا بكون  أن ينتبه أحد من المشاهدين ويصبح هناك مقطع فيديو واضح لهذه المناقشة ؟


-من هو أصلا ؟ آه، نبدا هنا بالبحث عن عمرو عبد السميع فنكتشف أنه دكتور في العلوم السياسية، باحث في مركز الاهرام الاستراتيجي، مقرب بشدة من النظام السابق وكان يقدم برنامج شهير يسمى حالة حوار اشتهر بمهاجمة الاخوان والتدليس عليهم واستضافة دائمة لاعضاء الحزب الوطني (وان اردت بحثا اكثر فابحث عن كتبه وانظر في مقدماتها تجد مهازل أخرى)


لا أظن اننا بحاجه لأسئلة أخرى لنحدد عدم صلاحية اعتبار القائل مصدرا حقيقيا لمعلومة كهذه فهو محسوب على النظام السابق، عدو معلن للاخوان ولا يملك أي دليل قائم على أن البرلمان ناقش مثل هذا الموضوع بالفعل وترجيح كذبه أكبر بكثير من امكانية صدقه ، ومع هذا انتشرت الشائعة بقوة !

****

الناشر أو وسيلة الإعلان :


من الناشر؟أو وسيلة الاعلان ؟ هل هي وسيلة أو مصدر رسمي للخبر؟ هل هي مصدر موثوق ؟ ام مدونة شخصية ؟أو منتدى ؟ هل هناك اتجاهات معروفة للوسيلة ؟ هل هي جريدة اليكترونية ؟ ما هي سياسة الوسيلة التحريرية ومدى اسقلاليتها ومصداقيتها؟ 


هذا سؤال أصعب قليلا، فالوسائل الإعلامية عادة ما يكون لها اتجاهات عامة وعادة يختلف الناس في هذا التقييم فهناك من يرى قناة اون تي في مثلا مستقلة وآخرين يرونها تابعة لساويرس تكره الاسلاميين، وغيرها من الرؤى، وهنا يقع التقييم عبئا على المشاهد وأن يحاول قدر المستطاع  أن يكون موضوعيا في تقييمه للوسيلة


ولكن مثلا نستطيع ن نتفق  أن الأهرام مثلا لا يصح اعتبارها مصدرا لتبعيتها وتبعية سياستها التحريرية للنظام السابق، الجرائد الاليكترونية كاليوم السابع لا يصح اعتبارها مصدرا علميا أبدابل وحتى ويكيبيديا قد تعتبر وسيلة مبدئية للمعرفة ومفيدة للغاية لكن في حد ذاتها ليست مصدرا بل يجب أن تدقق في مصادرها المذكورة اسفل المقال لأن القائمين عليها متطوعين أفراد غير منزهين عن الهوى والرأي الشخصي.


في الزمن الراهن تستطيع أن تطمئن أكثر بمقاطع الفيديو ومشاهدة الخبر رؤي العين رغم ما يمكن أن يحدث من تلاعب أيضا في الصورة سنأتي اليها لاحقا. 


حتى الوسائل الاجنبية، لا يجب  أن تعتد بالجرائد الاجنبية لمجرد انها اجنبية ، بل يجب أن تبحث عن مدى تقييم الناس لهذه المطبوعة الأجنبية ومدى مصداقيتها.


وفي ادنى مستويات المصداقية المدونات الشخصية ومدونات النشطاء، وتحتاج لوقت طويل حتى تبني ثقة في اسماء بعينها ولتثق "شخصيا" في مصدايقة ما يكتبون وفي نفس الوقت يبقى هذا مصدرا شخصيا لك ولكن لا تستطيع  أن تأخذ مدونة أو منتدى كمصدر أصيل لمعلومة .


وأورد هنا مثالا عبقريا لا ننساه وهو ظاهرة الشاهد العيان في فترة ما عرف ب"الانفلات الامني" في ال18 يوم الاوائل ، فقد امطرت القنوات المحلية والخاصة بمكالمات من "شهود عيان" على ما يحدث في الميدان وقت انقطاع   الإنترنت والاتصالات ولم يكن لدينا مصادر لتأكيد الاخبار، وكلنا رأينا كيف كانوا يكذبون بشراهة ، وأحب  أن اشير هنا لنموذجين من الاعلاميين وتعاملهما مع هذه المكالمات كانت القنوات المصرية تستقبل مكالمات باكية وصارخة قاصده رعب المشاهد وايهامه بأن حزب الله وراء الثورة ولا ننسى العزيز تامر من غمرة وقصص كنتاكي وما شابه، في نفس الوقت كان يسري فودة يمطر اي متصل اسئلة واضحه للتثبت من حديثه كلها تصب في خانة التثبت من المصدر وتمحيص كلامه لأن "شاهد العيان" لا تستطيع أن تعتبره مصدرا حقيقيا.

****

الموضوعية والعقلانية ومدى صدق المعلومة 


وهنا يجب أن نعرف معلومة هامة للغاية، يجب  أن نفرق بين الرأي والحقيقة، هل ما قيل هو رأي ؟ أم هي حقيقة ؟ 


الحقيقة، يجب  أن تكون مصدرا مؤكدا لا يدع مجال للنقاش كقانون، ورقة رسمية صادرة من جهة رسمية ، مضبطة البرلمان، تحقيق نيابة، مقطع فيديو واضح، احصائية رسمية.


عندما يخبرك كاتب في مقال  أن معدل البطالة في مصر 35% مثلا ، هل هذه حقيقة ؟ يجب أن نسأل ما مصدرها ؟ أهي دراسة ؟ من قام عليها ؟ مدى مصداقية المركز القائم عليها ؟من يتبع ؟ 


هل هو رأي؟ ماذا يدعمه ؟ هل هناك مصادر وحقائق واضحة تدعمه ؟ احصاءات دقيقة وموثقة تصلح كمصدر؟ عقلانية ؟متحيزة لرأي ؟ هل قرأت الرأي المقابل لتحدد حجية هذا الرأي؟ هل تدعم الحقائق المثبتة هذا الرأي؟



خبر كالتمويل الأجنبي، يجب أن تسأل، هل هناك تحقيقات نيابة؟ هل وجدوا خرائط للتقسيم؟ أين هي؟ هل تم اثبات التمويل؟ كيف؟ هل هناك حسابات مثبتة باسم هذه المراكز؟ هل هناك دليل على تلقيهم اموال ضخمة ؟ كل هذا لن تجده منشورا في اي خبرا، أتعلم لماذا يا رفيق؟ لانه كذب ...


خبر كمضاجعة الموتى، هل هناك معلومة مثبتة في مضبطة المجلس بهذا ؟ كيف نصدق  أن هذا نوقش في البرلمان بدون  أن يراه احدا ولا يعلق عليه وبدون وجود اي مقاطع فيديو تثبت هذا ؟


معلومة كتسبب البرادعي في دخول أمريكا العراق، يجب أن تفكر، كيف؟ ماذا فعل ليسمح؟ هل صرح بقبوله مثلا لهذا التدخل؟ متى؟ وأين ؟ وأين الفيديو الذي يدل على صدقك ؟ كيف كان تقريره عن الأسلحة النووية في مجلس الأمن؟ هل شاهدته بنفسك وتأكدت مما قال ؟ 




خبر آخر مثل "محاولة الثوار اقتحام وزارة الداخلية في محمد محمود" ، و بحث بسيط على   الإنترنت تستطيع بسهولة  أن ترى خريطة المنطقة على   الإنترنت وتعرف  أن وزارة الداخلية على بعد مسافة لأكبر من 700 متر من مكان تمركز الثوار !


http://productnews.link.net/general/News/23-11-2011/n/dakhlia1_L_2011112313163.jpg



مثال رائع للغاية أورده هنا على كيفية التثبت من المصادر، الرائع باسم يوسف ،اعلامي جديد في المجال مثل باسم رأس ماله ومحور تفوقه الرئيسي هو اهتمامه الشديد بهذه العملية مع فريق اعداده الشاب في معظمه، أنصح الكل بمشاهده هذه الحلقة الرائعة التي يتحدث فيها عن أكذوبة مخطط تقسيم مصر وبحثه وتدقيقه في هذا الموضوع وما وصل اليه باستخدام اسئلة مشابهة لما اوردته:




وجزء آخر في نقاشه على قناة الحافظ  فيه تساؤلات أوضح من باسم للمقدم:






وعندما تقرأ مقالا ويورد معلومة يجب أن تتاكد ، هل أرجعها لمصدرها ؟ هي مصدرها حقيقي وموثوق ؟


***

السياق والتاريخ:


لا يجب أبدا  أن تصدق حديثا مخرجا من سياقه، يجب أن تبحث دائما عن السياق وتنظر للصورة كاملة


فانظر مثلا إلى ما قيل  أن بلال فضل قال "يمتلك الرئيس ذكاءا نادرا وعبقريا" ونشر البعض هذا الكلام على لسان الرجل رغما  أن بحث سريع على   الإنترنت ستجد المقال الذي وردت فيه هذه الجملة والتي ستكتشف انها قيلت في معرض سخرية بلال منه بامتلاكه عبقرية اودت بالوطن إلى الهلاك، أو الفيديو الشهير الذي يظهر ابو الفتوح يقبل اعتراف فلسطين بالكيان الصهيوني ثم اثبتت حملته انه مقتطع من سياقه :




والتاريخ، يجب  أن تبحث عن تاريخ الخبر وتتأكد منه وتتأكد انه مناسب للحدث.


فمثلا لا ننسى كوميديا المجلس العسكري في الحديث عن وجود منجنيق في ميدان التحرير وقت محمد محمود ثم نظرة سريعة على الفيديو الذي نشرته وزارة الداخلية نجد أن تاريخ الفيديو على   الإنترنت هو يوم 3 فبراير 2011 اي قبل أحداث محمد محمود ب7 شهور كاملة !





طبعا لم أرد في الأمثلة أن اورد الكذبة الأشهر "الجيش لم يطلق رصاصة واحده على مصري" فمقاطع الفيديو واوراق المشارح المختلفة كافية جدا للتأكد من كذب هذا الادعاء !


ونقطة أخيرة أردت أن اتطرق اليها في هذا المقال الطويل جدا :)


****

التجرد


تجرد للحق يا رفيق، ابحث عن الحقيقة كما هي لا كما ترغب فيها ، ولا تستخدم آليات الانكار لتكذب الحقيقة 


لا تأخذ موقفا مبدئيا اذا نقل لك خبر على غير هواك "مفيش دليل ومفيش فيديو، يبقى الكلام ده كذب ومستحيل الجيش يعمل كده" ، "ابو اسماعيل المتطرف ده اكيد كذاب من غير مشوف" "الشيخ ابو اسماعيل ليث الحق لا يكذب وأكيد هذه المستندات مكذوبة" "البرادعي علماني واكيد سلم العراق لامريكا"


ثم تبدأ مراحل انكار الحقيقة الأخرى


- ولو فيه فيديو مش واضح أوب أو متصور من بعيد، يبقى: (الفيديو مش واضح والتفاصيل مش باينة وما نعرفش حصل إيه من الأول)


- ولو الفيديو واضح، يبقى: (أكيد الكلام ده مترتب لإن مستحيل يكون فيه فيديو بالوضوح ده)


- وآخر حاجة طبعا كما قال الفنان المثقف المتعلم ..."كل ده فوتوشوب"


صدقني يا عزيزي، يمكنك أن تعرف الحقيقة بسهولة اذا أردت، يمكنك أن تعرفها فقط اذا توقفت لدقائق وتشككت، وسألت وفكرت ، هل هذه المعلومة حقيقية فعلا ؟ لا تضن على نفسك بمعرفة الحقيقة، لا تنشر معلومة غير مؤكده ومدققة وتتسبب في أن تعمي انسانا آخر عن الحقيقة ، ابحث عن الحقيقة وساعد نفسك وغيرك على العيش في عالم حقيقي شفاف ولا تخدع بكذب النظام ولا تشارك فيه، كن قبسا من نور، اسال دائما ولا تتوقف عن السعي لمعرفة الحقيقة ولكن يجب ألا تنسى أن تكون متجردا للحق وان تسأل وتبحث، لا تسمح لتحيزاتك  أن تكون جزءا من البحث، لا تخلط الرأي بالحقيقة لتخرج بالنتيجة التي ترغبها والي تناسب اتجاهك الفكري وانتماءك الشخصي ...



"من لا يهتم بالتثبت من الحقيقة في الأمور الصغيرة ، لا يجب أن يؤتمن على عظام الأمور"  ألبرت أينشتين


وقديما قال توماس جيفرسون "فقط قسم الاعلانات المبوبة في الجريدة هو الجزء الصادق فيها، وحتى هذا ، أشك أحيانا فيه"



ملحوظة أخيرة :  أن لم يكن ثار في عقلك بعد تساؤل عمن هو جورج كارلين وهل الكلمات المنسوبة له ولغيره في هذا المقال حقيقية ام لا وفكرت في  أن تتأكد من هذا ، فأنصحك أن تعيد قراءه هذا المقال من البداية.



Friday, April 29, 2011

الاسلام والديموقراطية


نتيجة فوضى المصطلحات الرهيبة التي نعيشها في الوقت الحالي قررت أن اكتب هذه السلسلة من المقالات المبسطة التي توضح وتشرح هذه المصطلحات المفهومة خطئا وتبيان علاقتها بالاسلام  بشكل واضح ومبسط  آملا في تحقيق أرضية مشتركة من المسلمات نستطيع الانطلاق منها في النقاش حول المواضع الخلافية فعلا!.,وسأبدأ بالديموقراطية،هذا المصطلح الذي أساء فهمه الكثيرون ممن لم يقرأوا عنها خاصة -للأسف-من رجال الدين والعلماء الأجلاء..


سأبدأ حديثي بقاعدة فقهية شهيرة وهي : "الحكم على الشئ فرع من تصوره" أي انه يجب أن تعرف الشئ معرفة جيدة وتفهمه فهما جيدا حتى تستطيع الحكم عليه،فمن حكم على شئ يجهله فقد أخطأ وان صادف الصواب اعتباطا! لهذا فنحن ننكر على الكثير من علمائنا الاجلاء والدعاة من حكمهم على الديموقراطية حكما جاهلا بدون معرفة يضللون به كثيرا من الخلق وهم لا يدرون ويخطئون العوام بدون علم ولا معرفة فمن تحدث في غير فنه أتى بالعجائب ! وبمناسبة السياق أورد هنا كلمة غريبة للغاية من الشيخ وجدي غنيم في ذم الديموقراطية بدون علم ولا معرفة وستعرفون بنهاية المقال أهمية القاعدة الفقهية التي اوردتها في البداية والتي اخطأ الشيخ وغيره في الحكم على الشئ لأنهم يجهلونه!



وده كمان بس وطوا عشان الراجل بيزعق جامد :



فما هي تلك الديموقراطية وما هو جوهرها ؟


الديموقراطية بدون تعقيدات كثيره هي "حكم الأكثرية" أو بدقة أكبر "حكم الشعب لنفسه" ، أي ان يختار الناس حكامهم بدون ان يفرض عليهم من يكرهون ولا يرضون وأن يكون لهم حق محاسبة هذا الحاكم اذا اخطأ وعزله اذا انحرف  وألا يساق الناس لنظام سياسي واقتصادي ومنهاج فكري يرفضونه لمجرد اختيار الحاكم لهذا الاتجاه..


فهذا هو جوهر الديموقراطية التي تكافح من أجلها جماهير غفيرة في الشرق والغرب، والتي وصلت إليها بعض الشعوب بعد صراع مرير مع الطغاة، أريقت فيه دماء وسقط فيه ضحايا بالملايين، والتي يرى فيها الكثيرين الوسيلة المقبولة لكبح جماح الحكم الفردي والتسلط السياسي، الذي ابتلي به العالم العربي والاسلامي.



هذه الديموقراطية وجد لها البشر صيغا عدة واساليب ووسائل عملية لتحقيقها مثل المجالس النيابية والاتنخابات الحرة والاستفتاءات الشعبية المعبرة عن الارادة الشعبية الحرة والتعدد الحزبي واستقلال القضاء وغيرها من اساليب ومقتضيات الحكم الديموقراطي الرشيد.


فهل هذه الديموقراطية بهذا الجوهر تتنافى مع الاسلام؟! وأي دليل من محكمات الكتاب والسنة يدل على هذا الدعوى ؟



وقبل أن ارد على هذه الدعاوي يجب أن اشير لمعنى هام ملتبس على الكثيرين وهو أن الديموقراطية ليست غاية في حد ذاتها، ليست ايدولوجية ولا منهاج فكري، الديمقراطية ما هي الا منظومة من الوسائل والأدوات لتحقيق غايات كبرى ،هذه الغايات سبق وأن اقرها الاسلام قبل الغرب بألف عام..


فقد أقر الاسلام ان الحاكم أجير لدى الأمة وأن الشورى ملزمة وألمساواة امام القضاء وأن الاستبداد والفساد يجب أن يقاوما وان القضاء مستقل، ولكنه ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين وفق أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور الحياة، فالديموقراطية هي وسيلة تحقيق الغايات وليست الغاية نفسها! أجد نفسي مجبرا على التأكيد مرة أخرى ان الاسلام وضع لنا الغايات وترك لنا الاجتهاد في الاساليب المؤدية اليها وقد اجتهد علماء المسلمين في عصور ئتى لتحقيق هذه الغايات..


لماذا الديموقراطية اذا؟

الديموقراطية هي ثمرة تراث انساني فكري اهتدى اليه البشر من خلال كفاح طويل ومرير مع الظلمة والمستبدين من الحكم الكنسي والقياصرة الامراء،فقد اهتدت الديموقراطية خلال هذا الكفاح الى صيغ ووسائل تعتبر امثل الضمانات لحماية حرية الشعوب من الطغاة والمتجبرين وان لم يخل تطبيقها احيانا من بعد المآخذ والنواقص كأي انتاج بشري ولكن لا يجب أن نرفض هذا لمجرد انه قادم من اطار غير اسلامي بل يجب أن نتعلم منه ونتفاعل معه بما يتناسب مع تراثنا ونموذجنا المعرفي وقواعد شريعتنا الاسلامية ولا حجر على البشرية وعلى مفكريها أن تفكر وتصيغ اساليب اخرى لتحقيق تلك الغايات لعلها تهتدي لما هو امثل،ولكن الى ان يتبين ذلك فيجب ان نقتبس من الديموقراطية مالابد منه لتحقي العدل والشورى والوقوف امام الاستبداد السياسي، فالديموقراطية مثلها مثل الشوكة والسكينة، ادوات العصر الحديث للأكل، فالشوكة في ذاتها ليست كافرة لانها قادمة من الغرب! ولكن كيفية استخدامها هو ما يحدد ذلك! كذلك الديموقراطية..


فلا يوجد شرعا ما يمنع اقتباس نظرية او حل عملي من غير المسلمين مادام لا يعارض نصا محكما ولا قاعدة شرعية ثابتة! فقد أخذ النبي (ص) بفكرة الخندق في غزوة الأحزاب من الفرس واستفاد من أسرى بدر المشركين في تعليم المسلمين القراءه والكتابة !فالحديث عن المقارنة بين الديمقراطية والشورى في غير موضعه أصلا! فالشورى مبدأ والديمقراطية وسيلة لتحقيق المبدأ!..


ويجب أن نبين شيئا واضحا قبل ان أكمل فنحن هنا لا نتحدث عن الديمقراطية المطلقة التي رفضتها حتى امريكا اي ان حكم الاكثرية ماض دون حدود او شروط، فالديمقراطية المطلقة وسيلة لاستبداد الاكثرية ضد الاقلية كما ان الديمقراطية الغربية قيودها مثلا حقوق الانسان وبعض المبادئ الفكرية القيمية المتأصلة في العالم الغربي ولكن في تطبيق الديمقراطية في العالم الاسلامي ستكون حدود الديمقراطية وقيودها هي نصوص الشريعة المحكمة وثوابت الدين التي لا خلاف عليها،فمن حقنا أن نقتبس من غيرنا من الافكار والانظمة ما يفيدنا ولنا حق التحوير والتعديل فيها، ولا نأخذ من فلسفتها التي يمكن ان تحلل الحرام او تحرم الحلال ونضيف اليها من روحنا ما يجعلها جزءا منا ويفقده مع الوقت جنسيته الأولى، وقد فعلنا هذا كثيرا على مدار التاريخ الاسلامي واخذنا العلوم من اليونان وغيرها في بدايات الدولة الاسلامية ثم اعدنا تصدير هذه العلوم بما اضفناه من روحنا ومبتكراتنا للغرب فانقذناه من جهله وضلالة في عصور الظلام الغربي..


الشورى الملزمة

مبدأ الشورى من أهم مبادئ الدولة في الاسلام، وقد افردت هذه الفقرة لأتحدث عن 3 نقاط سريعة في موضوع الشورى


-اذا نظرنا لدولة الاسلام ايام سيدنا عمر -رضي الله عنه- سنجد انه كان دائما عندما كان يريد القطع بأمر من امور العامة، ينزل الى الطرقات ويسأل العوام رأيهم، ثم بعد هذا يجتمع بأهل الخبرة من الصحابة ذوي الرأي ثم يقطع بالأمر، اليس هذا اجتهادا مماثل لسن القوانين في الدول الديمقراطية؟ فيمر القرار على مجلس الشعب اولا (ممثل العوام)، ثم الى مجلس الشورى او الشيوخ او اللوردات اي كان المسمى (اهل الخبرة الاكبر)، ثم يصدق عليه الرئيس؟


-اتعرف عزيزي القارئ ان في النظام الامريكي كافة سلطات الرئيس تخضع لموافقة مجلس الشيوخ فيما يعرف في المصطلح الامريكي بadvise and consesnt والذي يترجم حسب السياق للشورى الملزمة ؟


-قد أمرنا الله بالشورى في القرآن ولكنه لم يضع آليات محددة وتركها لاجتهاد المسلمين، اليست المجالس النيابية اجتهاد لتحقيق الشورى ؟



لا سياسة الا ما وافق الشرع


 أجد من المناسب هنا ان استشهد بما اشار اليه ابن القيم الجوزية من استناد السياسة للشريعة وحسن تعلقها وارتباطها به مما يعني ذلك ضرورة ان يتسم المفتي بالوعي بحس الأمة وأصول مصالحها وسياسياتها واستراتيجياتها..


"وجرت في ذلك-كما يقول ابن القيم في كتابه الشهير "إعلام الموقعين عن رب العالمين"-مناظرة بين ابن عقيل الحنبلي واحد الفقهاء قال فيها الفقيه لابن عقيل : "لا سياسة الا ما وافق الشرع"..ورد عليه ابن عقيل بأن هذه المقولة يمكن أن تحمل معنيين ..أحدهما صواب والآخر خطأ، فان كان المعنى المقصود ان السياسة الشرعية هي كل شئ لا يتناقض مع ما نطق به الشرع فهذا سليم.اما اذا كان المقصود ان السياسية الشرعية هي فقط ما نطق به الشرع فهذا غلط وتغليط للصحابة لأنهم أنفسهم أتوا من المستحدثات ما لا يمكن ان ينكره عالم بالسنن،فقتال ابي بكر للمرتدين رغم شهادتهم أن لا اله الا الله،ونفي عمر لنصر بن حجاج،وجمع عثمان الصحابة على مصحف واحد رغما عن وفاة الرسول (ص) والقرآن متفرق بين الصحابة،وتحريق علي للزنادقة في الاخاديد رغما عن النهي بالعقاب بالنار،كلها أمور لا تخالف ما نطق به الشرع وفي نفس الوقت هي ليست مما نطق به الشرع،وهنا عقب ابن القيم بقوله : ((..هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام،وهو مقام ضنك في معترك صعب..فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرءوا اهل الفجور ،وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم على مصالح العباد ،وسدوا على انفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل،وعطلوها مع علمهم وعلم الناس أنها أدلة حق ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع من التقصير في معرفة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها..))،فان الله ارسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط،وهو العدل الذي قامت به السماوات والارض ،فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل،وأسفر صبحه فثم شرع الله ويدنه ورضاه وأمره."


تعالى الآن في رحلة قصيرة لمناقشة بعض قواعد الديمقراطية الاصيلة التي أخطأ الكثيرون في فهم معناها وكفروا خطئا من آمن بالديموقراطية بسببها!


الحكم للشعب والشعب مصدر السلطات


قول القائل ن الديمقراطية تعني حكم الشعب بالشعب، ويلزم منها رفض المبدأ القائل : إن الحاكمية لله ـ قول غير مسلم.
فليس يلزم من المناداة بالديمقراطية رفض حاكمية الله للبشر، فأكثر الذين ينادون بالديمقراطية لا يخطر هذا ببالهم، وإنما الذي يعنونه ويحرصون عليه هو رفض الديكتاتورية المتسلطة من السلاطين.فحكم الشعب المقصود ليس مقابله كمايظن البعض حكم الله! بل مقابله حكم الفرد! فحكم الشعب هو ضد حكم الفرد المستبد، أما حاكمية الله فلا تتعارض مع حكم الشعب! فهذا كقول الخوارج :" لا حكم إلا لله "! فهو قول صادق في نفسه، حق في ذاته، ولكن الذي أنكر عليهم هو وضعهم الكلمة، في غير موضعها، واستدلالهم بها على رفض تحكيم البشر في النزاع، وهو مخالف لنص القرآن الذي قرر التحكيم في أكثر من موضع، ومن أشهرها التحكيم بين الزوجين إن وقع الشقاق بينهما. ولهذا رد أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- على الخوارج بقوله : " كلمة حق أريد بها باطل " فقد وصف قولهم بأنه " كلمة حق "، ولكن عابهم بأنهم أرادوا بها باطلاً. وكيف لا تكون كلمة حق وهي مأخوذة من صريح القرآن :(إن الحكم إلا لله) ؟ (يوسف : 40).
فحاكمية الله لا يرفضها مسلم رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولاً.


والمسلم الذي يدعو إلى الديمقراطية إنما يدعو إليها باعتبارها شكلاً للحكم، يجسد مبادئ الإسلام السياسية في اختيار الحاكم، وإقرار الشورى والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاومة الجور، ورفض المعصية، وخصوصًا إذا وصلت إلى " كفر بواح" فيه من الله برهان.


ومما يؤكد ذلك : أن الدستور ينص ـ مع التمسك بالديمقراطية ـ على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين، وهذا تأكيد لحاكمية الله، أي حاكمية شريعته، وأن لها الكلمة العليا. ويمكن إضافة مادة في الدستور صريحة واضحة، إن كل قانون أو نظام يخالف قطعيات الشرع.فهو باطل، وهي في الواقع تأكيد لا تأسيس. لا يلزم ـ إذن ـ من الدعوة إلى الديمقراطية اعتبار حكم الشعب بديلا عن حكم الله، إذ لا تناقض بينهما. ولو كان ذلك لازمًا من لوازم الديمقراطية، فالقول الصحيح لدى المحققين من علماء الإسلام : أن لازم المذاهب ليس بمذهب، وأنه لا يجوز أن يكفر الناس أو يفسقوا أخذًا لهم بلوازم مذاهبهم، فقد لا يلتزمون بهذه اللوازم، بل قد لا يفكرون فيها بالمرة. 


وعايز انتقل لنقطه هنا وهي فكرة فرض الشريعة من الاسفل للأعلى، اي تدريب وتعليم الشعب على اختيار الشريعة وتحكيمها وليس فرضها من الاعلى بالقوة الجبرية، ويحضرني هنا اقتباس من سيد قطب احد اشهر المنظرين لفكرة "الحاكمية" :


"ليست المطالبة بإقامة النظام الاسلامي وتحكيم الشريعة الاسلامية هو نقطة البدء. ولكن نقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها --حكاما ومحكومين-- إلى المفهومات الاسلامية الصحيحة، وتكوين قاعدة تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل على إقامة النظام الاسلامي وتحكيم الشريعة الاسلامية).



(وبالتالي لا يكون الوصول إلى اقامة النظام الاسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغير في تصورات المجتمع كله --أو مجموعات كافية لتوجيه المجتمع كله-- وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة لا بد منها في حسهم




الحركات الإسلامية تشغل نفسها في أحيان كثيرة بالاستغراق في الحركات السياسية المحدودة المحلية، كمحاربة معاهدة أو اتفاقية، وكمحاربة حزب أو تأليب خصم في الانتخابات عليه.
كما أنها تشغل نفسها بمطالبة الحكومات بتطبيق النظام الإسلامي والشريعة الإسلامية بينما المجتمعات ذاتها بجملتها قد بعدت عن فهم مدلول العقيدة الإسلامية والغيرة عليها، وعن الأخلاق الإسلامية.
ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية. وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به"



حكم الأكثرية قد يخالف حكم الله

وقد بيننا فيما سبق أن حكم الاكثرية ليس معناه الحرية في مخالفة الثوابت! فبكل ديمقراطية اختار المسلمون ان تقيد الديمقراطية بثوابت الشريعة ! فالمادة 2 الشهيرة تمنع ان يحكم الاكثرية اصلا بحكم مخالف للشريعة!وتستطيع بقضية صغيرة ان تبطل اي قانون مخالف للشريعة لدى المحكمة الدستورية العليا! ولا مانع من ان يتم انشاء مجلس يراجع القوانين الجديدة قبل اقرارها مكون من فقهاء وقانونيين يقر عدم مخالفة القوانين للشريعة قبل اصدارها ومعمول بهذا في امريكا وايران على سبيل المثال (في امريكا يتأكدون اهم لا يخالف الدستور واعلان الاستقلال طبعا ).
 :وسأورد في هذه النقطة قول العلامة الشيخ القرضاوي :


" فإذا اختلفت الآراء في هذه القضايا، فهل تترك معلقة أو تحسـم، هل يكون ترجيح بلا مرجح؟ أو لا بد من مرجح؟
إن منطق العقل والشرع والواقع يقول: لا بد من مرجح. والمرجح في حالة الاختلاف هو الكثرة العددية، فإن رأي الاثنين أقرب إلى الصواب من رأي الواحد، وفي الحديث: " إن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ". (رواه الترمذي في "الفتن"، عن عمر 2166، وقال: حديث حسن صحيح غريب. قال: وقد رُوي هذا من غير وجه عن عمر. رواه الحاكم (1/114) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي).
وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر وعمر: "لو اجتمعتما على مشورة ما خالفتكما". (رواه أحمد عن عبد الله بن غنم الأشعري (4/227) وفي سنده شهر بن وشب، وقال ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الإرسال والأوهام. إذ معنى ذلك أن صوتين يرجحان صوتًا واحدًا، وإن كان هو صوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما دام ذلك بعيدًا عن مجال التشريع والتبليغ عن الله تعالى). كما رأينا -صلى الله عليه وسلم- ينزل على رأي الكثرة في غزوة أحد، ويخرج للقاء المشركين خارج المدينة، وكان رأيه ورأي كبار الصحابة البقاء فيها، والقتال من داخلها في الطرقات. وأوضح من ذلك موقف عمر في قضية الستة أصحاب الشورى، الذين رشحهم للخلافة وأن يختاروا بالأغلبية واحدًا منهم، وعلى الباقي أن يسمعوا ويطيعوا، فإن كانوا ثلاثة في مواجهة ثلاثة، اختاروا مرجحًا من خارجهم وهو عبد الله بن عمر، فإن لم يقبلوه، فالثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.


وقد ذهب الإمام أبو حامد الغزالي في بعض مؤلفاته إلى الترجيح بالكثرة عندما تتساوى وجهتا النظر. (انظر: الشورى وأثرها في الديمقراطية للدكتور عبد الحميد الأنصاري). وقول من قال : إن الترجيح إنما يكون للصواب وإن لم يكن معه أحد، وأما الخطأ فيرفض ولو كان معه (99 من المائة)، إنما يصدق في الأمور التي نص عليها الشرع نصًا ثابتًا صريحًا يقطع النزاع، ولا يحتمل الخلاف، أو يقبل المعارضة وهذا قليل جدًا .. وهو الذي قيل فيه : الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. أما القضايا الاجتهادية، مما لا نص فيه، أو ما فيه نص يحتمل أكثر من تفسير، أو يوجد له معارض مثله أو أقوى منه، فلا مناص من اللجوء إلى مرجح يحسم به الخلاف والتصويت وسيلة لذلك عرفها البشر، وارتضاها العقلاء، ومنهم المسلمون، ولم يوجد في الشرع ما يمنع منها، بل وجد في النصوص والسوابق ما يؤيدها"



انهي مقالي الطويل جدا باقتباس آخر للقرضاوي لم اجد بدا من انهاء حديثي به :

"ويهمني أن أؤكد أنني لست من المولعين باستخدام الكلمات الأجنبية الأصل "كالديمقراطية ونحوها" للتعبير عن معان إسلامية. ولكن إذا شاع المصطلح واستخدمه الناس، فلن نُصِمَّ سمعنا عنه، بل علينا أن نعرف المراد منه إذا أطلق، حتى لا نفهمه على غير حقيقته، أو نحمله ما لا يحتمله، أو ما لا يريده الناطقون به، والمتحدثون عنه، وهنا يكون حكمنا عليه حكمًا سليمًا متزنًا، ولا يضيرنا أن اللفظ جاء من عند غيرنا، فإن مدار الحكم ليس على الأسماء والعناوين، بل على المسميات والمضامين. وكثير من الإسلاميين يطالبون بالديمقراطية شكلاً للحكم، وضمانًا للحريات، وصمامًا للأمان من طغيان الحاكم، على أن تكون ديمقراطية حقيقية تمثل إرادة الأمة، لا إرادة الحاكم الفرد وجماعته المنتفعين به.فليس يكفي رفع شعار الديمقراطية في حين تزهق روحها، بالسجون تفتح، وبالسياط تُلهب، وبأحكام الطوارئ تلاحق كل ذي رأي حر، وكل من يقول للحاكم : لم ؟ بله أن يقول : لا. وأنا من المطالبين بالديمقراطية بوصفها الوسيلة الميسورة، والمنضبطة، لتحقيق هدفنا في الحياة الكريمة التي نستطيع فيها أن ندعو إلى الله وإلى الإسلام، كما نؤمن به، دون أن يزج بنا في ظلمات المعتقلات، أو تنصب لنا أعواد المشانق."


ومن القواعد الشرعية المقررة : أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن المقاصد الشرعية المطلوبة إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها، أخذت هذه الوسيلة حكم ذلك المقصد. 


انتهى