مقدمة

تخاريف دماغ مش متربية ...

Saturday, March 26, 2011

الديمقراطية الليبرالية..وتوافقها مع الاسلام والشريعة..

الديموقراطية...أكثر كلمة متداولة في الشارع اليوم..بين مؤيد ومعارض، بين من يرى ان الدولة لا تستقيم سوى بوجودها وبين من يرفضها تماما بدعوى انها غربية متعارضه مع الدين ويدعو لدولة اسلامية لا ديموقراطية ولا مهلبية..وأيضا على نفس المستوى ظهرت كلمة "الليبرالية" والتي يراها البعض الضابط السليم للديموقراطية ويراها الآخرون استيراد غير محمود من تراث علماني لا يليق بالمسلمين..

وقد رأيت قبل أن ابدأ ان يكون هذا الفيديو الشهير في رأس المقال..لأنه يعبر بدقة عن مفهوم رئيسي سأتناوله في هذه التدوينة و تناولته في التدوينة السابقة حول رفض أي فكرة أو مصطلح يبدو غربيا وغير عربي وغير نابع من الشرع بل ربما يصل الموضوع لأن يكون كل من يدعو لهذه الأفكارالعلمانية الاجنبية -في وجهة نظرهم- "مش هيورد على جنة"..



طبعا انا هنا لا اتحدث عمن اخذ موقفا محددا من الديموقراطية، فسوف اتحدث عن هذا بعد قليل، ولكني اردت ان اشير الى اننا "أعداء" ما نجهل، واننا نميل الى رفض وكره مالا نعرفه ..

ولهذا أردت ان اتحدث باستفاضه شديدة وبعمق عن هذه القيمة الهامة جدا التي تسمى الديموقراطية والتي اراها هي الطريق الحقيقي للحصول على مجتمع عادل متوافق مع الشريعة الاسلامية وفي نفس الوقت يحفظ حقوق مواطنيه بغض النظر عن ديانتهم وعقائدهم..

وعليه وقبل أن نتوغل في الحديث يجب أن نعرف أولا..ما هي الديموقراطية التي نقصدها ونتحدث عنها؟!

فقد اشتقت الكلمة في الأصل من المقطعين "ديموس" اي "عامة الناس" و "كراتوس" أي  "حكم" وهذا في اللغة اليونانية القديمة ،تعني ببساطة "حكم عامة الناس" أو "حكم الشعب لنفسه" وقد نشأت في أثينا حيث كان لكل الأحرار الحق في التصويت والحديث في المجلس العمومي وكانت تلك احد اقدم الديموقراطيات في العالم، وقد ظهرت الديموقراطية كتطبيق سياسي لأفكار العديد من فلاسفة التنوير كجون لوك وستيوارت ميل وغيرهم من الفلاسفة الذين نظروا لفكرة المساواة الكاملة بين الأفراد وعدم الأفضلية لشخص دون آخر مما تطور مع الوقت ليخلق نظام الديموقراطية في الحكم اي ان يحكم الشعب نفسه لأن ليس لأحد وصاية عليه.

تطورت أشكال الديموقراطية عبر الزمان مع تطور شكل الدولة وتعقيدها لتصل لشكلها الحالي الذي طور آليات تمكن الشعب من حكم نفسه عن طريق اختيار مجلس يمثل الشعب وينتخب من بينهم بشكل نزيه وبقواعد حرة "المجالس النيابية بأشكالها" وهي المسؤولة عن الحكم و وضع القوانين ممثلا للجموع والدستور وهو العقد الاجتماعي الذي يمثل توافق المجتمع حول مجموعة من القواعد والحريات لا يجوز ان يحرم منها أحد .
ببساطة شديدة و بدون تعقيد..الديموقراطية هي "حكم الأغلبية"، ولكن مع تطور الدول والديموقراطية ظهر على الساحة سؤال آخر طرح نفسه.."وماذا عن الأقلية؟"..فانا كأكثرية بيضاء في بلد اوروبي مثلا استطيع ان استخرج قانونا يمنع السود من دخول المحال العامة -كما كان في امريكا قبل تحرير العبيد-وهذه هي الديموقراطية فعلا ولكن هل في هذا عدل؟..بدون أدنى شك لا!..لهذا ظهرت فكرة "الليبرالية" لضبط هذه المسألة.
فالفكر الليبرالي يشدد على أهمية وقيمة الفرد، وعلى حقه في التمتع بالحريات المدنية بدون أي حسابات أخرى..فالليبرالية تقول أن من حق كل فرد ان يكون متساويا مع غيره امام القانون وان يتنقل بحرية وغيرها من الحقوق المدنية بدون اي تمييز على اساس العرق او اللون او الديانة..وبهذا تكمل الليبرالية الديموقراطية وتصبح الديموقراطية الليبرالية ببساطة شديدة:

"حكم الاغلبية دون سلب الأقلية اي من حقوقهم المدنية لأن هذه الحقوق مكفولة لكل الأفراد دون تمييز."

وهنا يجب علي أن اتوقف قليلا امام قضية هامة للغاية..وهي مدى ملائمة هذا الفكر ومعارضته للدين والشريعة الاسلامية؟

ويجب أن اوضح هنا اني انطلق من رأيي الذي صغته في تدوينتي السابقة، بأن علم السياسة ومفاهيم السياسة الغربية هي " تراث انساني فكري لجماعة من البشر طورت اساليب لمواجهة القمع والاستبداد في سياق معين من الزمن والتاريخ، ولا يجب أن نرفض هذا لمجرد انه قادم من اطار غير اسلامي بل يجب أن نتعلم منه ونتفاعل معه بما يتناسب مع تراثنا ونموذجنا المعرفي وقواعد شريعتنا الاسلامية"..فالمسلم في النهاية انسان يجمعه جانب انساني مشترك مع غيره من البشر وعليه فان المسلمين من الممكن ان يتعلموا اي شئ مفيد لهم ولمجتمعهم بغض النظر عن مصادره طالما لا يتعارض مع الخلق القويم ومع ما هو قطعي الدلالة والثبوت من نصوص الدين الحنيف.

وهذا في رأيي أحد اهم نقاط الخلاف بين السلفيين وغيرهم من المسلمين المجددين المعتقدين في الديموقراطية وهو ان السلفيين يرون ان الصواب هو فقط ما نطق به الشرع اما غيرهم من المجددين فيرون ان الصواب هو كل ما يحقق العدل والانصاف بين البشر وان لم يذكر صراحة في المصادر الرئيسية للشريعة لأن الشريعة تقوم على مصلحة الانسان في دنياه وآخرته.

و أجد من المناسب هنا ان استشهد بما اشار اليه ابن القيم الجوزية من استناد السياسة للشريعة وحسن تعلقها وارتباطها به مما يعني ذلك ضرورة ان يتسم المفتي بالوعي بحس الأمة وأصول مصالحها وسياسياتها واستراتيجياتها..

وجرت في ذلك-كما يقول ابن القيم في كتابه الشهير "إعلام الموقعين عن رب العالمين"-مناظرة بين ابن عقيل الحنبلي واحد الفقهاء قال فيها الفقيه لابن عقيل : "لا سياسة الا ما وافق الشرع"..ورد عليه ابن عقيل بأن هذه المقولة يمكن أن تحمل معنيين ..أحدهما صواب والآخر خطأ، فان كان المعنى المقصود ان السياسة الشرعية هي كل شئ لا يتناقض مع ما نطق به الشرع فهذا سليم.اما اذا كان المقصود ان السياسية الشرعية هي فقط ما نطق به الشرع فهذا غلط وتغليط للصحابة لأنهم أنفسهم أتوا من المستحدثات ما لا يمكن ان ينكره عالم بالسنن،فقتال ابي بكر للمرتدين رغم شهادتهم أن لا اله الا الله،ونفي عمر لنصر بن حجاج،وجمع عثمان الصحابة على مصحف واحد رغما عن وفاة الرسول (ص) والقرآن متفرق بين الصحابة،وتحريق علي للزنادقة في الاخاديد رغما عن النهي بالعقاب بالنار،كلها أمور لا تخالف ما نطق به الشرع وفي نفس الوقت هي ليست مما نطق به الشرع،وهنا عقب ابن القيم بقوله : ((..هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام،وهو مقام ضنك في معترك صعب..فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرءوا اهل الفجور ،وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم على مصالح العباد ،وسدوا على انفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل،وعطلوها مع علمهم وعلم الناس أنها أدلة حق ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع من التقصير في معرفة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها..))،فان الله ارسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط،وهو العدل الذي قامت به السماوات والارض ،فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل،وأسفر صبحه فثم شرع الله ويدنه ورضاه وأمره.

وهنا يفيد أن نشير أن الرسول (ص) استخدم المنجنيق في احد حروبه وهو اداة رومانية مستحدثه لم يستحدثها المسلمون، واخذ المسلمون نظم الري والصناعة من الفرس والروم ولم يجدوا في هذا حرجا، ولهذا فلا يجب -ولا يمكن- ان يدحض المسلمون الحكمة الموجودة في كتب "أهل الباطل" ،ولا مشاحة في بحث المؤمن عن الحكمة اينما كانت فلا نرفض الداروينية والماركسية واسهامات فرويد وكانط وروسو في التراث الانساني بسبب ان كل ما فعله هؤلاء غير صحيح!، فبعض ما يقولونه من الممكن ان يكون مفيدا ومستحقا للدراسة..وهنا يظهر النضج والقدرة على التفاعل وعظمة الاسلام الذي يسمح بالتفاعل مع كل الحضارات واستخلاص ما يفيد وطرد الخبيث الغير نافع.

فالديمقراطية في جوهرها متوافقة مع قواعد الدين الحنيف:
فالمجالس النيابية هي التطبيق الحديث للشورى الملزمة المعلمة كما وصفها القرضاوي
والمساواة المطلقة امام القانون واحترام الحقوق والحريات هي من أسس ومبادئ ديننا الحنيف 

اما الدستور فهو القانون والشريعة الدنيوية التي يجب أن يحترمها كل من في الدولة ويحمي العباد من بطش الحاكم.

وقد قال الشيخ رشيد رضا في احد فتاواه الشهيرة بأن الدستور والحكم بنظام دستوري هو من الاسلام ..."مادام الدستور لا يتعارض مع النصوص الثابتة وللأصول والقواعد الشرعية المستنبطة منها كالعدل ورفع المضار وجلب المنافع وغيرها من الأحكام كان ذلك الدستور موافقا للدين الاسلامي في جزئياته وتفصيلاته وان كان بعض هذه المسائل مخالفا لها يكون الدستور نخطئا فيما خالف فيه،كما أخطأ كثير من الفقهاء في بعض الأحكام في كتبهم وللأمة حينئذ ان تنبه مجلس نوابها على ذلك لتداركه اذا تبين له."

ويرد رشيد رضا على اعتراضين اساسيين هما:

-ان اولى الامر الذي فوض كتاب الله اليهم استنباط الاحكام يجب ان يكونوا من المسلمين، ومجلس النواب مؤلف من المسلمين وغيرهم،والجواب على هذا..." ان استشارة ومشاركة غير المسلمين في الرأي غير ممنوعة بل ومطلوبة اذا كان فيها مصلحة الأمة،لأن المصلحة في الأصل في جميع الأحكام الدنيوية حتى قال بعض علمائنا انها تقدم على النص اذا عارضته كما نقلناه عن الطوفي في "تفسير المنار".."

-اما الاعتراض الثاني فهو ان الذين يستنبطون الاحكام من المسلمين يجي ان يكونوا من اهل العلم والاجتهاد، "واني اجيب عن هؤلاء ان ما ذكره الاصوليون من شروط المجتهدين ليست نصوصا تعبدنا الله تعالى بها فيما اوحى لنبيه،وانما هي آراء هؤلاء الاصوليون،وقد بينا الحق في ذلك في موضع آخر..وقد جعل الله تعالى لجماعة اولى الامر من الأمة ان يتسنبطوا برأيهم من الاحكام ما تمس حاجتها له وأطلق ذلك فإن كان هناك ادلة تدل على انه يشترط فيهم ما قال علماء اصول الفقه في المجتهدين فلتكن كتلك التي اشترطوها في الخليفة والقاضي من حيث انه يجب تحصيلها ويقدم من توافرت فيه، ولكن لا تتعطل الأحكام بفقدها.."

وأجمل قوله : "ان الأمة يمكنها بالدستور ان تحيي دينها ودنياها فان لم تفعل فكان الاثم عليها، نعم هي لا تستطيع ذلك الا بالتدرج كما نشأ الاسلام وترقى بالتدرج،فكان شأنه في عهد صلح الحديبية غير شأنه بعد فتح مكة، فلا ينبغي ان ننسى هذا.."

وأجمل انا القول بأن الديموقراطية الليبرالية هي خلاصة ما وصل اليه التراث الانساني في نظم الدول الحرة المقاومة للاستبداد، ويجب علينا كمسلمين ان نتفهم ونتعلم هذه القيمة الكبيرة وان نتفاعل معها فيما يتناسب مع ديننا الحنيف ونرفض منها مالا يناسبنا فيما يمكن ان نسميه "أسلمة الديموقراطية".


ومما قد لا يعرفه الكثيرون هناك العديد من انواع الديموقراطية ومدارسها الفكرية ولكني معني هنا بشكل أكثر دقة ب"الديموقراطية الليبرالية"، وقد قال الأكاديميين والمنظرين بأن هناك 6 صفات أساسية للديموقراطية الليبرالية اي انحراف في اي صفة يعني خطوة ناحية الاستبداد وانخفاض في مستوى الديموقراطية نوردها لنتفهم بعمق أوسع معنى الديموقراطية المرجوة:

-حق التصويت مكفول للجميع بدون تمييز ديني او عرقي ودون انتقائية (وهو مبدأ المساواة بين البشر الذي يقره الشرع).

-المنافسة مكفولة لكل القوى السياسية والاقصاء ممنوع مادام الفصيل السياسي يحترم قواعد اللعبة الديموقراطية واطارها القانوني .

-احترام الحقوق المدنية (شرط الليبرالية) أي ان الحريات المدنية للكل اغلبية واقلية مكفول والحريات العامة للجميع بدون تمييز وغير مقبول بأن تقر الاغلبية قوانين عنصرية او فيها حرمان للأقلياتمن اي حقوق لمجرد انهم اقليات (فلا تبغي فئة على فئة وهذا جوهر العدالة التي يدعوا اليها الاسلام بحفظ حقوق غير المسلمين ماداموا ليسوا اعداءا حربيين.)

-وجود تعدد لمراكز صنع القرار بما يتضمنه هذا من مساءلة ومسئوليات متوازنة فلا يوجد من هو فوق المساءلة (وقد وضع الامام الغزالي اهمية دفع الاستبداد ومساءلة الحكم فوق التحكيم بالشريعة وقبلها حين رفض دستور تقي الدين النبهاني الاسلامي ومدح دستور 1923 المستمد من الدستور البلجيكي لأنه يضع اسسا لمساءلة الحاكم ومنع استبداده خلا منها الدستور الاسلامي للنبهاني).

-قبول كافة اطراف اللعبة الديموقراطية بنتائجها وقواعدها-شرط الاستدامة-والا صار الوضع غير مستقل وخرج كل خاسر من الانتخابات ليثير فتنة وتظاهرات في كل مكان (هذه نقطه تختلف عن الطعن في نتائج الانتخابات نتيجة الظن في وجود تعدي على القواعد وهنا القانون والمحكمة هو الفيصل)..

-الشرعية الوحيدة هي أصوات الناخبين وصندوق الاقتراع والا تحول الأمر لديموقراطية بدون ديمقراطيين او ديموقراطية نخبوية.


فالديموقراطية في رأيي مقدمة على الشريعة، ليست أولوية تفوق وتفضيل ولكن أولوية تقديم و ترتيب على نحو مشابه على تقديم الطريق على الجامع حيث انك تحتاج لان تمشي في الطريق لتصل إلى الجامع، وعليه فعليك ان تعطي الناس الحق في اختيار من يحكمونهم حينئذ يمكن لهم ان يختاروا الشريعة او غيرها فأنا اعارض اجبار الناس على الشريعة، فكما قال من قبل أحمد كمال ابو المجد "ان اجبرتهم على الشريعة فأنك بهذا لا تخلق أمة من المؤمنين ولكن أمة من المنافقين "، وليس هذا ما نريده!.

وان كنت لا ارى بالاساس خلافا واضحا بين قيم الديموقراطية والاسلام، فربما تخوف المسلمين مثلا من ان الديموقراطية قد تقبل حرية زواج المثليين والاباحية كنوع من الحرية الشخصية كما ذكر الامام الحويني في احدى دروسه وهو كلام غير دقيق، فالديموقراطية هي توافق مجتمعي شامل ن والمجتمع الاسلامي الرافض للاباحية وزواج المثليين على سبيل المثال يستطيع بديموقراطيته وبحكم اغلبيته ان يرفض تشريع واباحة واشياء كهذه يرفضها اصلا المجتمع كأغلبية لذا فلا يجب أن ننظر لتطبيق الغرب للديموقراطية فلنا سياق وأفكار وثقافية تختلف عن الغرب لذا فتطبيقنا وتفاعلنا مع الديموقراطية سكون مختلفا، فالديموقراطية بالنسبة لنا هي اداة للتخلص من قمع الحكام والاستبداد وليس كما يظن البعض-خطئا- اداة لاشاعة الفوضى والانفلات في المجتمع!.

وان كان هناك من يرى ان الديموقراطية وحكم الاغلبية فيه مخالفة لمبدأ الحاكمية "وان الحكم الا لله" فهذا أيضا مردود عليه!،

فالديموقراطية الليبرالية التي نريد تطبيقها في بلادنا الاسلامية لن تكون نسخا كاملا من الديموقراطية الغربية، فنحن لنا نسختنا الخاصة بسياقها من الديموقراطية ولعلي هنا اقتبس من مقال لاستاذي د معتز عبد الفتاح والذي يتحدث في هذه النقطة قائلا:

"بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية.» وهاتان الكلمتان الأخيرتان مهمتان للغاية. لماذا؟ لأن مذاهب الفقه الإسلامى من السعة بحيث إنها تستوعب مساحة هائلة من الاجتهادات التى تقبل بالأغلبية الكاسحة من مبتكرات وانجازات المدنية الحديثة. ولنأخذ مثلا: يذهب كل علماء الدين الإسلامى إلى أن إطلاق اللحية واجب؟ هل هذا يعنى أن الدستور الجديدة سيبيح للقانون أن يعاقب غير الملتحى. الإجابة لا، لأن من أبواب الفقه يرى بعض الشافعية أن إطلاق اللحية ليس واجبا، ولهم أسبابهم وأدلتهم. إذن يتسع الاجتهاد الفقهى لاستيعاب حق من يرى عدم إطلاق لحيته أخذا بأن أحدا لا يملك أن ينكر على المجتهد اجتهاده. 

ومع ذلك يظل أخيرا، التأكيد على أن المادة الثانية من الدستور لا بد أن تبقى، ولكن لا بد كذلك من تقييدها بقيدين فى مواد أخرى وهما قيدان من أصل الشريعة أيضا: الأول أنها لا تمنع حقا لغير المسلمين فى ممارسة عقيدتهم أو شعائرهم وفقا لقاعدة «لا إكراه فى الدين»، الثانى، أن الشعارات الدينية (إسلامية أو مسيحية) ليس أداة للتجنيد التصويتى أو الانتخابى أو الحزبى عملا بقول الحق سبحانه: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»."

وانهي حديثي بان ادعوكم برؤية هذا الفيديو القصير الذي يتحدث عن معنى الديموقراطية بشكل مبسط:


مصادر
-------
الاسلام والديموقراطية، د. معتز بالله عبد الفتاح
في فقه الدولة المسلمة، د. يوسف القرضاوي
في النظام السياسي للدولة الاسلامية، د. سليم العوا
الاسلام عقيدة وشريعة، الشيخ محمد شلتوت
اعلام الموقعين، ابن القيم الجوزية
دراسة في فقه مقاصد الشريعة، د. يوسف القرضاوي
تكوين المجال السياسي الإسلامي "النبوة والسياسة"، د. عبد الإله بلقزيز
موسوعة اليهود واليهودية، د. عبد الوهاب المسيري
بعض مواقع الانترنت وفيديوهات


والى اللقاء في تدوينة أخرى...

Tuesday, March 22, 2011

عن النظرية السياسية و أنظمة الحكم....وعلاقتها بالاسلام؟

"عندما يأخذ الاسلاميون الفرصة ليفهموا قيم الحداثة الغربية مثل الديموقراطية وحقوق الانسان، سيعملون على ايجاد مكان لها في القيم الاسلامية لأنها في الأصل موجودة،وإن كان بعضها ليس موجودا فسيغرسونها ويرعونها مثلما فعل الغربيون من قبل، عندما غرسوا هذه القيم في أرض أقل خصوبة"

  راشدالغنوشي مؤسس حركة النهضة الاسلامية التونسية والمفكر الاصلاحي التونسي الكبير

رأيت أن أفضل بداية لهذه المدونة أن أبدأها بهذا الحديث عن جوهر وتطور الانظمة السياسية وهو العلم الذي يهتم بدراسة و تصنيف أشكال الدول وأنظمتها  فمنها ما هو استبدادي ديكتاتوري ومنها ما هو ثيوقراطي و أوتوقراطي وديمقراطي وغيرها من المسميات التي لا يعنينا الآن معناها قدر ما يهمني أن أتحدث عن جوهرالنظرية وعلاقة الدين بالسياسة وما يسميه البعض "استيراد الانظمة السياسية من الغرب".

اذا تأملنا قليلا في حقيقة تاريخية بسيطة تقول "الاسلام أصغر عمرا من المسيحية ب600 عام" ، واذا كان لهذا دلالة ما، فهي أن أوروبا المسيحية منذ 600 عام كانت في عصورها الوسطى الظلامية ، عهد سيطرة الكنيسة على العقل و صكوك الغفران ومحاكم التفتيش وقتل الابداع واتهام مخالفي الكنيسة بالهرطقة وما جاليليو ببعيد عن أذهاننا...،

 ولهذا فقد بدأت جهود أوروبا المسيحية في تطوير مسألة الدولة قبل فترة كبيرة من منطقة الشرق الاسلامي وما الديموقراطية وتطبيقاتها الا جهود مشتركة بين الجنس البشري لمحاربة الطغاة والاستبداد في أي زمان، وهي نوع مما أسماه د . معتز عبد الفتاح "قهر القهر" أي وضع قيود "قانونية ودستورية" على صانع القرار بغض النظر عن دينه و نوعه..ومن هذا المنظور وهذا المنطلق يجب أن ننظر للديموقراطية وتطبيقاتها، على أنها جهد بشري وخلاصة تطور محاربة القمع والطغيان في الحكم بشكل عام والكنسي في عصور اوروبا الوسطى بشكل خاص..

قد يسأل سائل..وهل خلا التاريخ الاسلامي من تجارب مماثلة؟ وأين اسهامات المسلمين في تطوير نظم حكم وآليات دولة حديثه تتناسب مع النموذج المعرفي الاسلامي ومبادئ الحاكمية والشريعة؟..وهو سؤال مفصلي تقوم على اجابته هيكل هذه المدونة بشكل عام وقلب هذه التدوينة بشكل خاص..
يعود  إخفاق المسلمين في هذا المجال بالأساس الى فترة الحكم العثماني ثم الاستعمار الاوروبي لمعظم المجتمعات المسلمة، فقد شهد الغرب انطلاقته الكبرى نحو حكم القانون والديموقراطية الليبرالية في نهايات القرن السادس عشر وصولا الى استقرار القيم والمفاهيم الحاكمة لهذه النظريات بعد الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي كانت فيها المنطقة الاسلامية كلها ترزخ تحت وطأة أصفاد الاستعمار  مما أدى لتشويه وتأخير التطور الطبيعي لآليات الحكم فيها،ولذا فإن الطريقة السليمة لتصحيح هذا التأخر التاريخي  هي محاولة اللحاق وتعلم ما كان على المسلمين أن يخترعوه ويطوروه لو لم تحدث هذه الظروف التاريخية التي أدت لأسبقية الغرب في هذا التطور الفكري في آليات الحكم ضد الاستبداد..

ولا نقول هنا أنه ينبغي علينا استيراد النموذج الديموقراطي الغربي بشكل كامل ودون تمحيص لعالمنا الاسلامي، ولكني أزعم منذ البداية أن عقيدة الاسلام وأفكار فلاسفة ومفكرين اسلاميين كبار قد ساهمت بشكل كبير في تشكيل فكرة وقيم الديموقراطية، وقد قام المسلمون بإسهامات هامة للغاية في فلسفة الديموقراطية بالتأكيد على قيم الوحدة واحترام النظام والمساواة والتعايش السلمي والغاء العبودية، فهذه القيم التي تشكل أساس القيم الديموقراطية موجودة بالأساس في شريعتنا الاسلامية!..

ولهذا فإني أزعم ان تفهم قيم الديموقراطية بعمق والنظر لهذه الجهود على انها مجهود بشري طوره أناس رزخوا تحت سيطرة كهنوت الاستبداد الكنسي لقرون ومحاولة "أسلمة الديموقراطية" كما اسميها والتفاعل معها ودمج قيمها المتوافقة مع ديننا الحنيف هي سبيلنا الحقيقي لتطوير آليات حكم رشيدة متوافقة مع ايقاع العصر الحديث وتعقيده، ومنسجمة تماما مع العقيدة الاسلامية والشريعة ...

وقد بدأ العديد من المفكرين المسلمين مشوار تطوير و"أسلمة الديموقراطية"، فقد كانت اسهامات الشيخ القرضاوي في كتابه "في فقه الدولة المسلمة" جواز السفر للنخب الاسلامية للتعامل مع الديموقراطية على انها اسلامية وأعطى مبررات عديدة للتعامل مع فكرة التصويت والمشاركة في الانتخابات والتنافس الحزبي .


كما كانت جهود العراب الكبير المستشار طارق البشري بارزة في تبني صيغ مدنية للعلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع المسلم وتجاوز الصيغ التقليدية لاشكاليات "أهل الذمة" و "ولاية غير المسلم على المسلم" على اعتبار ان القضية الأخيرة لم تعد محل اعتبار في مجتمعات حديثه تقوم على المؤسسات وأسس لفكرة "ولاية المؤسسة وليس ولاية الفرد".

كما كان لد. سليم العوا وراشد الغنوشي وحسن الترابي وغيرهم من المفكرين المستنيرين اسهاما كبيرا في الدعوة لسلطة الشعب بشرط ألا يقرر ما يتعارض صراحة مع ما هو قطعي الدلالة والثبوت من القرآن و السنة..

وكلها محاولات لاجتياز الفاصل التاريخي الذي سبق الاشارة اليه وأيضا ملء الفراغ في غياب تشريع سياسي قرآني مفصل،فقد قدم النص القرآني مدنة تفصيلية من التشريعات تشمل معظم مناحي الحياة الاجتماعية كالبيوع والتجارة و غيرها ولكنه اكتفى في المسألة السياسية بمبادئ عامة كمبدأ الشورى (ولم يوضح النص من تشملهم الشورى) وغيرها..

وأختم هذه التدوينة بالقول أن السبيل لنظام "إسلامي" في حكم الدولة لا يتعارض مع الشريعة ويمنع كافة أشكال الاستبداد يبدأ من "أسلمة الديموقراطية" والتفاعل الثقافي معها والنظر لتراث النظرية السياسية كمجهود بشري تم في سياق معين يجب أن نستفيد منه وألا ننظر اليه على انه "قيم مستوردة من الغرب الفاسق" ...

والى اللقاء في تدوينة أخرى...